السيد المحترم رئيس جمهورية مصر العربية.. أوجه إليك خطابي هذا وأنت لا تزال في علم الغيب، ليكون في استقبالك بعد أن يختارك الشعب. وستكون هذه هي - على الدوام - صيغة مخاطبتي لك، بشرط أن تخاطبني بصيغة مماثلة: (السيد المواطن المحترم)، فأنت وأنا زملاء في المواطنة، وقد أتت بك أغلبية من الناس، وولوك وظيفة الرئاسة لمدة محددة، تعود بعد انتهائها - معززاً مكرَّماً - مواطناً كآحاد الناس؛ وقد تكون عودتك قبل أن ينقضيَ زمنُ حكمك، إن أنت خيَّبتَ آمالَ من اختاروك فيك. لن يعرف خطابُنا المتبادَلُ صيغاً ولا أوصافاً أخرى من تلك التي يتفنن في نحتها وتدبيجها نفرٌ من الناس جُبلوا على النفاق، وعلى أن يجعلوا خدودهم مداسات لرؤسائهم في أي موقع، متوسلين بذلك إلى التقرب واكتساب الود، ومن ثم (تمرير) المصالح والمكاسب التي لا يستحقونها بالأساس، والتي يعلمون علم اليقين أنها لن تتحقق إلا بهذه الوسيلة؛ فهم حين ينعتونك بما يدغدغ مشاعر العظمة من ألقاب إنما (يضحكون عليك)، فهم لا يقصدونك بها، ولا يقتنعون بها لك، فهي تجري على ألسنتهم ألفاظاً جوفاء، سرعان ما تبتذل من كثرة ترديد أبواق الآلة الإعلامية لها. وعلى أي حال، فإن هذه الصيغة تكفي لمخاطبة مواطن كلفه نفرٌ من أبناء جلدته ليقوم بمهام القيادة، لبعض الوقت، فهي - الصيغة - تصفه بالسيد، وتزيدُ فتوفرُ له قيمة الاحترام، وهي قيمة كانت مفتقدة بين الحاكم، في كل صوره ومستوياته، والمحكوم، عقوداً طويلة من التاريخ المصري المعاصر؛ وأخيرا، فإن الصيغة تثبت صفته كرئيس لجمهوريتنا. وأعتقد أن في ذلك ما يرضي أي رئيس (طبيعي)، وإن كانت مشروطة - كما ألمحت في بداية خطابي - بأن تكون متبادلة، فلي صفة (السيد) كإنسان مصون الكيان والكرامة، ولي أيضاً صفة وحقوق وواجبات المواطن المشارك في رفع شأن الوطن، وصاحب الحق في نصيب عادل من ثرواته. وأنصحك، أيها السيد المحترم رئيس الجمهورية، ألاَّ تطلب أكثر من ذلك، وألاَّ تسمح به، مهما بلغت درجة إغواء اللقب المنحوت من أجلك، فمن السهل جداً أن تتحول الألقاب ذات الذيول اللامعة إلى مادة سخرية تنال من كرامة من خلعت عليه، خاصة إن كانت مبنية على زيف وباطل، وأنت - لا شك - تعرف شعبنا.. أستاذاً في السخرية؛ وانظر إلى سلفك المباشر ومن سبقه، فلم يشفع لقب (بطل الضربة الجوية) - على زيفه - لمبارك، فتمت جرجرته، كلاعب كرة متماوت يدعي الإصابة، على سرير طبي ليمثل وراء القضبان، في ساحة العدالة، متهماً بسفك دماء وإزهاق أرواح المئات من شباب مصر؛ كما أن صفات من صنف (رب العائلة المصرية) و(بطل العبور)، وغيرهما عديد، لم تحُلْ دون أن يخترم الموت السادات - اغتيالاً - وهو يختال مزهوا في حفل قومي. واعلم أن نحت الألقاب للرؤساء يؤذن ببداية طقوس صنع الطغاة، ولك أن تراجع تراجم وسير هؤلاء. كما أن تلك الألقاب تقيم، مع غيرها من عوامل العزل، جدارا سميكا عالياً بينك ومواطنيك، يحبسك عنهم عاطفياً، فلا يلبث رصيدك لديهم من العواطف الإيجابية يتناقص، إن كنت نجحت، أصلاً، في تكوين رصيد. فإن أنت رضيت واكتفيت بهذه الصيغة التي تكفل لك احتراماً حقيقياً مِنَّا لكَ، فإن ذلك قد ينسحبُ على معاونيك ووزرائك والقائمين على إدارات الدولة، الذين تفشت بينهم خلال ما يقرب من نصف قرن مضى، مفردات معجم متجددة تجسد فساد علاقات العمل وأنظمته في دواوين الحكومة. وإن كان لي أن أستمر في إسداء النصح لك، أو إن كنت ستجد فرصة للاستماع إلى ما أقول، وتأمله، فإنني أرجوك أن تأمر الإدارة الحكومية التي تقوم بطباعة صور الرئيس، كملصقات دعائية، وتوزيعها على المكاتب الحكومية، لتعلق على كل الجدران، وأحيانا على واجهات المباني، بأن تمتنع عن هذه العادة الغبية، إلاَّ إن كنت ستتحمل أنت شخصياً تكاليف طباعة هذه الصور والملصقات، فهي صور شخصية لك، وقد أصبح الناس لا يهتمون كثيراً بوجه الرئيس، فهم يعرفون ملامحه، ولا حاجة لهم بأن يطل عليهم أينما توجهوا، فالمؤكد أن جانبا كبيرا منهم لايجد ذلك مبهجاً. ومن جهة أخرى، فإنهم لن ينظروا إلا إلى قراراته وتأثيرها على أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية. ويعتقد المروجون لفكرة (الصورة الرسمية للسيد الرئيس) أنها جزء من طقوس ترسيخ هيبة الحكم، والحقيقة أن الصورة تتحول، مع مرور الزمن، واعتياد الناس، من موظفي المكاتب وجمهور المواطنين، عليها إلى مجرد (شيء) ملقىً على الحائط، يغطيه التراب وتتقافز عليه العناكب. ولا أخفي عليك، فقد يكون للصورة الحائطية تأثير سالب، حين يجدها بعض الساخطين (موضوعا) ينفث فيه دوافع سخطه، فينطلق لسانه ساخراً، وربما لاعناً. وقد أطمع في كرم السيد المحترم رئيس الدولة، فأدعوه، مخلصاً، إلى البحث عن أسلوب آخر لتحركه في الطرقات، غير المواكب الرسمية التي تعتدي على حرية حركة الناس، وتعطل مصالحهم، وقد تكون سببا في حرمان إنسان من فرصة إنقاذ حياته، على نحو ما عاينته بنفسي في حالة أم كانت في طريقها إلى مستشفى الولادة بالشاطبي، في الإسكندرية، وهي تعاني مشكلة في الرحم، وقد حانت ساعة وضع طفلها، فمنع المسئولون عن تأمين موكب مبارك سيارة الإسعاف من الاستمرار في انطلاقها إلى المستشفى، فانفجر رحم الأم، وماتت وطفلها. ليس من حق أحد أن يتصرف كمالك لهذه الأرض؛ وإن كان رئيس الدولة عاجزاً عن تدبير طريق آمن يسير فيه، فلا يجور على حرية حركة الناس. ولقد اهتممت لبعض الوقت بمراقبة تأففات الناس وضيقهم وردود أفعالهم تجاه المواكب الرئاسية التي تغتصب شوارع مدنهم لساعات طويلة، وأعفيك من ذكر التعليقات والشتائم التي سجلتها. واكتفي - من بين إشارات أخرى عديدة - بهذه الإشارات الثلاث، إلى اللقب، والصورة، والمواكب، آملاً في أن تحصل مصر على رئيس يتفهم ما نشير إليه، ويستجيب له، ليجلس في مقعده دون قلقلة، يؤدي دوره، ثم يغادر عائدا إلى الحياة العامة، تحمله ساقاه، وليس محمولاً على عربة مدفع احتفالية، أو على نقالة كلاعب مشاغب يسقط مدعياً الإصابة ليفلت من عقاب الحكم.