نشر في الدستور الأصلي يوم 28 فبراير 2012 نص حديث أدلى به الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في أحد اللقاءات مع الأستاذ محمد الوروار، وجاء ضمن كلام الأستاذ عبد المعطي؛ عددٌ من اعتقادات الأستاذ، أستأذنه في طرحها. تحدث سيادته عن الثقافة المصرية التي كانت حاضرة في ثورة 2011 ، كما كانت حاضرة في كتابات نجيب محفوظ عن ثورة 1919 ! ثم توالت المقتطفات مِن حديثه مفعمة بالخوف على المثقفين من عصر المتطرفين الإسلاميين، الذين وصلوا إلى سدة الحكم في مصر، وهم الذين قتلوا فرج فودة ونفوا نصر أبو زيد ! وأكثر ما يخاف سيادته على مصر هو البرلمان ذو الأغلبية الإسلامية، وهو مرعوب على هوية مصر أن تصبح إسلامية؛ فتندثر ثقافتها وتتلاشى بمرور الزمن، وينعي على النظام البائد أنه سيطر على كل المنابر ومنحها للإسلاميين ! بينما لم يترك للمثقفين الحقيقيين منبرا واحدا يتلقى منهم الشعب (الضحية) عبره كلامهم وثقافتهم ! فأدى ذلك إلي تغييبهم منذ عام 52 وحتى الآن، وهو ما يفسر غياب الوعي السياسي لدى قطاعات واسعة من المصريين، وهو ما يفسره الحضور الطاغي للتيارات الإسلامية، التي لم يكن من المنتظر أن تتقدم هي الصفوف الآن بدلا من المثقفين ! أولا: مَن هؤلاء المثقفون الذين تتحدث عنهم يا أستاذ أحمد ؟ وما هي الثقافة التي تعنيها وكانت حاضرة في الثورة ؟ هل هي الثقافة بمفهومها الموسوعي أم بمفهومها المصري الذي زرعته الأنظمة الحاكمة فينا طيلة ثمانية وخمسين عاماً ؟ هذان مفهومان مختلفان تماما للثقافة، أما التعريف الموسوعي للثقافة فهى أسلوب الحياة السائد فى أى مجتمع بشرى، وهى ما تميز مجتمعات البشر عن التجمعات الحيوانية، والاستخدام العلمى للكلمة لا يتضمن تقدم المعرفة، ومنذ البدايات الأولى للجنس البشرى كانت الثقافة هى عادات الجماعة وأخلاقها وأفكارها واتجاهاتها وقوانينها وقدراتها، تُستمَد من التاريخ وتنتقل تراثاً اجتماعياً إلى الأجيال المتعاقبة. ولكن .. وعلى أيديكم؛ أصبح تعريف الإنسان المثقف فى العالم العربى هو من كان على دراية بالفنون والموسيقى والشعر، وله اطّلاع على كتب الفلسفة والآداب والروايات والعلوم الإنسانية، وحبذا لو كانت غير عربية، وهذا التعريف للمثقف فى مجتمعنا المصرى خاصة، وفى المجتمعات العربية عامة؛ خرج بالمواطن العادى من دائرة الثقافة، فأصبح أكثر من نصف المجتمع غير مثقفين لأنهم ببساطة أميون، والنصف الآخر لا ينتمى معظمهم من قريب أو من بعيد لهذا المفهوم للثقافة، ويتبقى الصفوة (المثقفون) الذين تتطلع إليهم الأبصار أينما حلوا، وتتعلق بحديثهم عقول العامة (غير المثقفين) متى تحدّثوا. ثانيا: بناء على هذين التعريفين للثقافة؛ نستطيع أن ندرك حجم الكارثة التى حلت بالمجتمع المصرى منذ انقلاب 1952، ونراها ونعاينها كل يوم وكل ساعة، بل .. كل لحظة، فعلى كل المستويات فى المجتمع المصرى هناك تدهور وانحدار؛ بل وانعدام فى الثقافة بتعريفها الحقيقى الشامل؛ أى فى أنماط السلوك المكتسب، وهذا نتيجة مباشرة لتعريفكم للثقافة؛ الذي هو نفسه تعريف وزارات الثقافة المتعاقبة، فاهتمت بالفن الذي أصبح هابطا، وبالأدب والشعر الذين تدهور حالهما، وبالآثار التي أهملت وسرقت وهُرِّبت لحساب الكبار، وسيطرت على صفحات الأدب والفن في الجرائد والمجلات لعشرات السنين، ومنحتها لمثقفيكم الذين لم يقدموا شيئا لشعب مصر، ولم يستقر في وعيه السياسي مما تقولون شئ. ثالثا: الشعب المصري؛ غير المثقف ومنعدم الوعي السياسي - في نظركم - هو الذي اقتنع بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فثار على النظام وخلع رئيسه، وبأصوات أبنائه اكتسح الإسلاميون البرلمان، وهو ما لم تنتظره؛ لا حضرتك ولا (المثقفون)، ويبدو أن هذا الاكتساح ضايقكم وزاد من رعبكم على المستقبل في ظل سيطرة التيار الإسلامي، وشكَّل خطرا محدقا على الوطن ! الغريب أننا لم نكن قبل الانتخابات نسمع مثل هذه المخاوف، ثم بدأت تعلو أصوات القائلين بها بعد أن قال الشعب المصري كلمته، ووضع ثقته فيمن رآهم أفضل فانتخبهم، وعرفت الأحزاب والتيارات الناصرية والاشتراكية واليسارية مكانها الطبيعي. رابعاً: حين كان مفهوم الثقافة مغلوطا ومختلطا في عقول القائمين عليها؛ أعني وزارة الثقافة ومتبنّي المفهوم المغلوط؛ تاهت الثقافة الحقيقية عن عقول المصريين، فأُهمِل تثقيف أجيالهم المتعاقبة الثقافة الحقيقية، وسميت فنون التمثيل والرقص والرسم والمسرح بالثقافة الجماهيرية، وتُرِكت المنابر الإعلامية جميعها مفتوحة لكل من هب ودب من العَلمانيين والاشتراكيين واليساريين، ممنوعة على كل من انتمى لتيار إسلامي، فإذا سبّ أحد الشعراء أو الكُتّاب الدين، أو تهكم ممثل رقيع على رموزه؛ اعتُبرت حرية تعبير، وإذا لامه من غار على دينه؛ اعتُبر اللائم إرهابيا وقاتلا لحرية الإبداع. يا أستاذ عبد المعطي.. ما حدث في مصر خلال الأشهر التسعة الأخيرة هو الديمقراطية بعينها؛ من الشعب إلى الشعب من أجل الشعب، وشعب مصر شعب ناضج ذكي، ولن يستطيع أحد الضحك عليه مرة أخرى، فقد عاش منذ عام 54 في أكاذيب ثقافية؛ لم يُشف من آثارها بعد، ولكنه سيبرأ منها إن شاء الله، من هذه الأكاذيب الثقافية أكذوبة الإذعان للزعيم أبو كاريزما، والخضوع لحكمة الرئيس الأب إللي ما بيغلطش.. (هَبَل)، وثقافة أنا ومن بعدي الطوفان .. (أنانية)، وثقافة مشّي حالك وشخشخ جيبك.. (رِشوة)، وثقافة الفن الهابط والعري والإيفيهات الجنسية.. (سقوط)، وثقافة مفيش فايدة في البلد..(يأس)، وثقافة إهبش واجري ماتخافش.. هو اللي فوقك يعني كان بيخاف.. (انتهازية)، يا عم سيبك القانون ده للغلابة بس لكن الكبير كبير.. (فوضى)، مش مهم العَلام ولا الشهادة المهم تفتح مخك.. (جهل)، همه ليهم الدنيا واحنا لينا الآخرة.. (إحباط)، ما هي عزبة أبوهم وبلدهم مش بلدنا.. (انهزام)، والعديد العديد من العوامل الثقافية الحقيقية التي شكلت وجدان المرحلة. فلما أن اشتعلت نيران ثورة يناير المحمودة؛ كانت إيذانا بانطلاق شعب مصر نحو ثقافة جديدة لم يعهدوا مثلها منذ انقلاب يوليو؛ ثقافة التغيير، وستأتي هذه النيران على ما ورثناه من ثقافات وسلوكيات أيام الحكم الديكتاتوري الفاسد منذ 1954حتى 2011 ، والخطوة الأولى هي انتخاب الرئيس الدكتور محمد مرسي؛ أول رئيس منتخب في تاريخ مصر الجمهورية، فهل ستتهمه حضرتك بقتل فرج فودة ؟ إسلمي يا مصر.