فى الأصل كان الناس تشعر بحالة كبت رهيبة والمجتمع يغلي من الغضب بسبب عدة امور متعلقة بالتوريث والمهانة على يد الشرطة والفساد الذى تحول الى قوانين فأصبح الأمساك بالمجرمين ضرباً من الخيال ثم بأنسداد شرايين وآفاق المستقبل جراء الدولة العجوزة التى شاخت مع مبارك وتحولت الى بلد قديم متهالك. آراد مبارك ان ينقل الدكان الى ابنه جمال ليتحول الى هيبر ماركت عصري فما كان من المنتفعين حول الأب والأبن الا ان أستغلوا الفرصة وأكلوا حقوق الناس وغليت المعيشة وشحت الخدمات الى درجة لا تطاق وأصبح الحصول على شقة للزواج من الصعوبة بمكان. فى هذه الآجواء كان ابناء الطبقة الوسطي أقل من يريد لنفسه شيء.. فهم فى الأساس عندهم كل شيء ولكنهم كانوا احراراً وعندهم كرامة فلم يرضوا للمصرين الذل الذى يشاهدونه يومياً فى أقسام الشرطة ولم يرضوا للفقراء حالة الأنعدام التى تضر بهم وتعدم مستقبلهم بل حاضره ايضا ولم يرضوا ان تكون الدولة ومؤسساتها عبارة عن عزب خاصة تورث من جيل الى جيل فلكي تصبح قاضي يجب ان يكون والدك قاضي وهكذا.. انتفض أبناء الطبقة الوسطي الذين أضرهم انبطاح مصر امام أسرائيل حتى اصبح مبارك يطلق عليه المطيباتي او وزير خارجية أسرائيل الى العالم العربي. فلم يرضى أبناء هذه الطبقة ان تطيش دفة القيادة فى مصر وتأخذ بالدولة كلها الى أنعزال لم يسبق له مثيل حتى عاد الأهتمام بأي شأن خارجي امر لا يعني الا القليل واصبح الكل منكفأ على مباريات الكرة ومعارك اقطابها وحكاوي الفنانين وفضائيات التسلية وزفة طويلة من المنتفعين المتحولقين حول مبارك وابنه ونظامهما.
لما خرج شباب هذه الطبقة يحملون أحلامهم معهم فى مشهد مهيب عز مثيله فى تاريخ مصر قبلها كانوا كشعلة الضوء التى أنارة ليل القاهرة.. فأدرك كل ذو بصيرة ان من بالشارع الآن ليس القوى السياسية التقليدية وانما هم أكثر المنتفعين من نظام مبارك وأقل المتضررين منه! ولذلك، كانت شرارة تلك اليلة باعث حقيقي للأمل فى نفوس الناس فما ان انقضت الشرطة بطريقتها الوحشية التقليدية لفض الناس حتى انتفضت السويس والأسكندرية لنصرة شباب القاهرة. فما كان من النظام الا سحق الهبه الوليدة فغضب الناس جراء الدماء التى سالت ونزل البشر الى الشارع لنصرة الثورة والشباب فى جمعة الغضب.
من هنا أدرك العسكر بعد نجاح الثورة ان اول هدف أمامهم هو ضرب الثورة وتقسيمها عبر أستحضار هاجس ان الدين فى خطر على الرغم ان الثورة كانت فى الأساس من اجل انصاف ادمية الأنسان المصري وهذا هو لب أي دين! لكن بعض روافد الثورة كالأخوان انزلقوا للخية ولم يدركوا الموقف وفاتهم تحذير الثوار لهم. ضربنا العسكر بأعلان دستوري فانقسمنا الى قليل ثائر وكثير أصلاحي ثم بعد الأنقسام التفت العسكر الى الجانب الثوري ليمحق الشباب ويحجمهم بعد ان يشوه صورتهم فى كل محفل. ولأن بعض الشباب ضعيف ويجرى وراء مصلحته استطاع العسكر عبر الصفقات ان يُقَسم ويضرب بعضنا بعضاً حتى فرحت كل مجموعة بالدكان عفواً الحزب الذي فتحوه غير مدركين بفداحة المصاب. الشاهد ان صورة الشباب تضررت بأشد ما يكون الضرر فعاقبنا الناس فى التصويت للبرلمان فلم يدخل منا الا القليل وفضل الناس علينا حزب الحرية والعدالة او القسم الثاني الأصلاحي، هكذا ظن الناس. ثم بعد ان رأى الناس آداء الأخوان البرلماني ناهيك عن حزب النور انقلبوا على البرلمان ولكنهم لم يلجأوا للشباب بل الى النظام القديم بذاته! سبحان الله..
هذا وان دفع الشباب وتضحياتهم لم يتوقف للحظة وهو ما جعل من نهاية المرحلة الأنتقامية أمر لا أختيار فيه للعسكر بعد أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء فما كان من العسكر الا الأسراع بعملية نقل السلطة نزولاً على الضغط الشعبي الذي يقوده الشباب لكن العسكر لا يريد الرحيل وترك السلطة تفلت من بين أيديهم.. فأعدوا العدة لعدم تمكين مرشحا الثورة حمدين صباحي وعبدالنعم أبو الفتوح ووقفوا بكل جهد وراء مرشح العسكر الفريق شفيق حتى تصبح المعادلة امام الشارع اما العسكر او الأخوان كما قال مبارك! العجيب هنا ايضا ان الشارع عندما أختار على الرغم من انه انصف ابو الفتوح ورفع حمدين بشدة الا انه لم يأتي بأي منهما الى جولة الإعادة وعلى المتضرر الأختيار بين النظام الذي يقتلهم والأخوان الذين يخونونهم.
هنا تذكر الشباب ست البنات وزياد العليمي وقانون تنظيم التظاهر والوقوف خلف مصطفى بكرى وعدم الأسراع بتبني التشريعات المطلوبة لأنصاف الثورة فلم يستطيع الشباب الوقوف خلف المرسي! ثم ان الثوار لا يصدقوا ان الأخوان على هذا القدر المتواضع من عدم الأدراك فالأخوان الى الآن لا يدركوا ان العسكر يلتف وان ساعة الأخوان تقترب! وظن الشباب ان يوم ان قال العسكر ان على القوى السياسية الأستفادة من دروس الماضي ان الأخوان سيدركوا ان هناك خطة ما لأعادة أنتاج ما حدث سنة 1954 عندما تم أقصاء الأخوان خارج المشهد السياسي تماماً! لكن هيهات. لقد تحول الأخوان المشاركون الى المغالبون وكرههم الشارع ففقدوا الكثير من معاقلهم كما أوضحت نتائج الجولة الأولي للأنتخابات الرئاسة فبوسعنا ان نقول ان 25% من الشعب اختاروا مرسي او ان 75% من الشعب لم يرض عنه! ناهيك عن الأسكندرية معقل السلف والشرقية حيث بيت الأخوان والتى خسر فيها مرسي الأخوان عن جدارة!
كل هذا حدث قبل ساعات من حل البرلمان.. فالآن عاد الأمر برمته الى العسكر ولا يوجد برلمان ليشرع وانما حتى التشريع بيد العسكر والرئاسة بالطبع لأن مهما كان أسم وشخص الرئيس القادم فأنه لن يستطيع ممارسة سلطاته الا اذا حلف اليمين امام السلطة التشريعية الا وهي العسكر بسبب حل البرلمان! ثم ان العسكر سيقول قولته فى الدستور الجديد! ولكن هذه ليست نهاية الحكاية وانما نهاية البداية والآن نبدأ مرحلة جديدة بعد ان أصبح هناك واقع جديد نعيش فيه.
نحن كثورة طوال الوقت نبحث عن البداية وهم كعسكر طوال الوقت يبحثوا على النهاية! الآن بعد ان فعلنا كل شيء وحققنا كل شيء مازال المجتمع غير راضاً عنا ولكن هذا أمر مؤقت! والأصل ان قرون الأستشعار لدي المصريين تعرف كيف تختار ولمن تلجأ.. ونحن طوال الوقت نتكلم عن حقوق الآخرين مثل العدالة الأجتماعية ومعظمنا لا يشعر بالظلم الأجتماعي من الأساس. ولذلك أشعر وان المعني الأول بالظلم الأجتماعي سيبحث عنا عما قريب. من هنا الى ذلك اليوم أدعو الثوار الى امر واحد وهدفان. ارجوكم افتحوا كل الدكاكين على بعض حتى يصبح عندنا سوبر ماركت عصري جديد وواسع يستوعب ويرحب بكل الناس التى تقصدنا. والهدف الأول ان ننتقل من ردة الفعل الى الأمساك بزمام المبادرة والهدف الثاني هو المحليات والبرلمان والرئاسة بعد ان نكون كتبنا الدستور أولاً شاء من شاء..
حكاية ثورتنا مستمرة وباقية الى اليوم الذي يفتح فيه الله علينا وينصرنا وينصر مقاصدنا ويحقق لنا أهدافنا بعد بذل الجهد والعرق والأخلاص فى العمل والتفاني من أجل مصالح الوطن العليا قبل الخاصة. اعرف ان اهلنا ظلمونا فى البرلمان مرة وفى الرئاسة مرة بعد ان عملنا كل شيء ولكنهم لم يرضوا عنا ولكن هذا لن يدوم وقريباً جداً سنشهد تغيرات كبري ولكن علينا ان نكون مستعدين بكيان قانوني كبير (حزب جامع) مرحب بالكل وقادر على الحشد وتنظيم الصفوف والتوحد والضغط من أجل نيل الحقوق. ان الله بالغ أمره وهو لا يعجل كما تعجلون. الثورة مستمرة واحنا بخير.. هذه نهاية البداية وغداً نبدأ مرحلة جديدة من حكاية ثورتنا.