حضرت أمس نقاشاً بين مجموعتين من أساتذة الطب النفسي حول الطريقة المثلي لعلاج المدمن، كان ذلك في ورشة عمل عقدت في إطار مؤتمر الطب النفسي الذي ينظمه قسم الأمراض النفسية بقصر العيني. الدكتور ناصر لوزة- رئيس الأمانة العامة للطب النفسي بوزارة الصحة يؤكد أن الطبيب في العالم كله لا يجبر المريض علي العلاج، وباعتبار أن العالم كله يعتبر المدمن مريضا فلا يصح إجباره علي العلاج. ويجب أن يكون له الإرادة الحرة التي تجعله يطلب العلاج، ويؤكد أن هذه الإرادة هي التي تسهم بشكل كبير في الشفاء. وأن المدمن، الذي تتدهور حالته إلي حد يجعله يسبب الأذي لنفسه أو لمن حوله، علي المجتمع أو الأسرة أو الشرطة إجباره علي العلاج بالقوة وليس الطبيب. ونظرا لموقع الدكتور ناصر لوزة الرسمي فإن هذا الرأي تحول إلي قرار بتعديل القانون الخاص بإدخال المريض النفسي والمدمن بالمستشفيات الذي عرض فعلا علي مجلس الشعب وأُقر رغم أنه سبق عرضه علي مجالس أقسام الطب النفسي بجميع كليات الطب ورفض الأساتذة إقراره بشكله الحالي لما يستحيل معه التدخل لعلاج المدمن في مرحلة تقل معها المضاعفات نسبيا ويمكن إدراك حياته. تم تنفيذه بالفعل في الأيام السابقة، وأصبح ممنوعا علي المستشفيات أن ترسل فريقاً طبياً متخصصاً لإحضار المدمن طوعا إن كانت حالته الإدراكية تسمح، أو كرها إذا كان غير مدرك بسبب التعاطي أو الأعراض الانسحابية، وذلك بناء علي طلب من أسرته لخطورة حالته. وبالتالي أيضا ممنوع أن تحتجز هيئة المستشفي مريضاً يخضع لبرنامج علاجي برغبته، ولكن بسبب التردد الذي هو أصلا عرض مرضي قرر صباح يوم أن يخرج الآن ضد النصح الطبي ودون موافقة أو علم الأهل المقيمين معه الذين يمكن أن يفاجأوا به بالمنزل، وربما ينتكس بنفس الليلة وهو ما يحدث عادة في هذه الحالات. وبالتالي لا يجوز قانونا التدخل لمنع المدمن من الخروج إذا أراد أن يخرج قبل أن يستكمل علاجه وإلا يتعرض المستشفي للمساءلة القانونية. أي بافتراض أن نجح الأهل في الضغط علي المدمن لدخول المستشفي فمن حقه أن يطلب الخروج قبل أن ينتهي العلاج. هذا القرار سبب كوارث لأسر كثيرة، الأسر تنقل معاناتها للأطباء الذين يتعاملون بأنفسهم مع المدمن ويعرفون أن معاناة الأسر حقيقية. الدكتوره مها وصفي واحدة من هؤلاء الأطباء، وهي التي ألقت كلمة في ورشة العمل تؤكد أن من واجب الطبيب أن يساعد أهل المدمن لإجباره علي تلقي العلاج واستكماله إذا استنفدنا محاولات إقناعه بلا جدوي بسبب ميله المرضي الملح للتعاطي، رغم تدهور حالته أو لعدم إدراكه خطورة حالته الجسدية والنفسية. وذلك حماية لنفسه ولأسرته ولمجتمعه، تقدر د. مها أن عدد الوفيات بسبب الإدمان في مصر يصل إلي مائة مدمن يوميا، يموتون بجرعة زائدة أو في حادث أو خناقة أو تسمم، بالإضافة إلي أن لا أحد يستطيع أن يقدر كم الأذي الذي يسببه المدمن للآخرين. وتقول إن المدمن مريض، لكن مرضه يؤدي إلي أنه لا يستطيع التحكم في قراراته ولا تحمل المسئولية ويحتاج إلي مساعدة، الطب يؤكد أن المدمن يصاب بتغيرات بيولوجية في خلايا المخ، مما يخلق لديه مقاومة شديدة للتغيير، وقد يريحه إجباره علي العلاج والبقاء في المستشفي لبعض الوقت. حتي يسترد قدرته علي التحكم في أفكاره. يوافق أصحاب الرأي الأول علي أن المدمن مريض وليس مجرما، وبالتالي ليس من حق أحد أن يجبره علي العلاج، ويعترض أصحاب الرأي الثاني بأن التعامل مع مرض ما يصيب المخ لا يمكن أن يكون مثل التعامل مع مرض يصيب البنكرياس. د.لوزة يعتقد أن احترام حقوق المريض يعني أن تترك مهمة احتجازه بالقوة في المستشفي للشرطة كحل أخير، وأهل المرضي الذين شاركوا في ورشة العمل يؤكدون أن تدخل الشرطة يسبب إهانة للمدمن ولأهله. كما أنهم يعتبرون أن إبلاغ الشرطة عن أبنائهم سلوك غير أخلاقي، ويخلق فجوة لا يمكن إصلاحها بين المدمن وأهله. فجرت ورشة العمل الكثير من الأفكار والمناقشات لكنها لم تصل إلي نتائج تثمر علي النطاق التنفيذي.