آن الأوان أن يعترف جنرالات المجلس العسكرى بفشلهم فى إدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية التى امتدت إلى عام ونصف. عليهم الآن أن يخرجوا علينا ويعلنوا فشلهم فى الإدارة المدنية للبلاد.. وأنهم لم يكونوا على قدر الثقة التى منحها الشعب لهم فى الإدارة المدنية.. ربما كانوا ضالعين فى الإدارة العسكرية.. لكنهم فاشلون فى الحياة المدنية.
ما لهم بالثورة؟
وما لهم بالقوى السياسية؟
وما لهم بالديمقراطية وتداول السلطة؟
وما لهم بالانتخابات الحرة النزيهة؟
وما لهم بالشفافية؟
لقد أخذوا البلد «وديعة» لديهم لمدة عام ونصف.. ولكن أهملوا هذه الوديعة وأهدروها.. ولم ولن يعود من ورائها شىء فى ظل إدارتهم لها.
لم يفعلوا شيئا من أجل البلد.. وتخيلوا أن إطلاق تصريحات من قِبَل أنهم حموا الثورة.. سيكفيهم فى السيطرة وحكم البلاد مع الترويج لهم من بعض الإعلاميين والسياسيين الذين هم دائما فى خدمة أى حكم وأى سلطة.
ادّعو فى البداية أنهم سيسعون لتحقيق أهداف الثورة التى قام بها شعب مصر العظيم وشبابها.. إلا أنهم التفوا حول تلك الأهداف والمطالب.. وحاولوا عقد الصفقات مع قوى سياسية معينة وعلى رأسها جماعة الإخوان، وبدؤوا بالاستفتاء الهزلى على «ترقيعات» دستورية هى نفسها التى طرحها مبارك قبل خلعه!
واستعانوا بمستشارى السوء من أجل تحقيق أهدافهم لا أهداف الثورة والشعب الذى يريد حياة ديمقراطية فى مجتمع مدنى يوفر الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية.
ووصلوا فى النهاية إلى تقسيم الصفوف بعد أن كانت يدا واحدة فى الثورة.. وشجعوا الإسلاميين فى التحالف معهم لإجهاض الثورة والوصول إلى برلمان منزوع الاختصاصالت بالاتفاق.. فلم يفعل برلمان الإخوان شيئا بعد وصولهم إلى السلطة ورفض الإخوان طلب الثوار بتسلم السلطة من العسكرى فى إدارة شؤون البلاد بعد نجاحهم فى الوصول إلى أول مؤسسة منتخَبة.. لكنهم رفضوا ذلك وجاؤوا بميليشياتهم أمام مجلس الشعب لمنع الثوار من تقديم طلباتهم، فقد كان اتفاقا مع «العسكرى» لا يريدون نقضه حتى ذلك الوقت.
وبدأ العسكرى فى الحفاظ على كل رموز النظام المخلوع ومؤسساته.. ولم يكن عند الإخوان أى اعتراض على ذلك.. وكان يمكنهم أن يصدروا تشريعا من أول يوم فى البرلمان لمنع هؤلاء من تولى مناصبهم وإزاحتهم وعزلهم.. ولكن لم يفعلوا.. بل استعان رئىس مجلس الشعب بواحد من كبار رموز النظام السابق وفاسديه ومفسديه وهو مخزن أسرار فتحى سرور واتصالاته وقوانينه المفصَّلة وتضخم أمواله، هو سامى مهران الذى منحه قيادى الإخوان سعد الكتاتنى الحماية من اتهامه بالكسب غير المشروع ورفع حظر السفر عنه.. وكذلك فعل قرينه فى الشورى د.أحمد فهمى صهر محمد مرسى مرشح الإخوان الاستبن للرئاسة مع المستشار فرج الدرى الذى كان مخزن أسرار صفوت الشريف وأحد الفاسدين الكبار فى نظام مبارك.
ومارس العسكرى معارك التشويه للثورة والثوار ووصل به الأمر إلى القتل كما جرى فى أحداث ماسبيرو بالدهس بمدرعة الجيش والضرب بالرصاص الحى والخرطوش فى محمد محمود وأمام مجلس الوزراء وشارع قصر العينى.. ومحيط وزارة الداخلية وفى العباسية.. وهى كلها أفعال تُخضِع للمحاكمات مسؤولين كبارا فى المجلس العسكرى والشرطة العسكرية والقوات التى شاركت فى تلك الجرائم، ناهيك بالكلام التافه الذى أطلقه عن التمويل الأجنبى للثوار وروج له بعض إعلامييه الذين يعودون بقوة بعد أن كانوا عارا على الثورة وبعض نوابه فى البرلمان الذى يحبون أن يكونوا خداما لأى سلطة.
ويصل الأمر فى النهاية إلى أن يديروا انتخابات رئاسية بتلك الطريقة فى ظل مناخ عبثى ودون دستور.. ودون أى قواعد.. وتحكم لجنة رئاسية تعتقد أنها لجنة قضائية.. لنجد أنفسنا أمام خيارين مرَّين، بين الإخوان ممثلين فى محمد مرسى الاستبن، وفلول النظام المخلوع ممثلين فى أحمد شفيق رئيس موقعة الجمل.. وهما خياران جيدان للعسكرى، فأحدهما تابع له والآخر يستطيع أن يعقد مع جماعته الصفقات.
لكن الخاسر فى النهاية.. الثورة.. والشعب.. ومصر.
لقد عاد الثوار إلى الميدان بعد المحاكمة المسرحية لمبارك وعصابته والأحكام التى صدرت فى ظل تقاعس سلطات التحقيق وفشلها، التى وجدت نفسها كأنها فى عصر مبارك.. فهى تنتمى إليه ولا تريد أن تنسى ذلك.
فعلى جنرالات «العسكرى» الآن الاعتراف بالفشل والعودة إلى ثكناتهم لعلهم يستعيدون إداراتهم العسكرية التى ربما فقدوها أيضا.
وعليهم تسليم السلطة لمجلس رئاسى مدنى يمثل الثوار الأصليين.. الذين يدركون معنى الثورة والمدنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.