ان ما يفصل بين الثورة والنجاح التام هو الآدراك. وبالآدراك أعنى ان نعرف ماذا نواجه، وماذا بأيدينا فعله, وفى المقابل، ماذا نفعل فى الواقع؟ وارجو ان نفرق بين الواقع والحقيقة. فالواقع هوا ما نراه بأعيننا على انه الحقيقة. اما الحقيقة فشيئاً آخر. الحقيقة لا تتغير بينما الواقع قد يتغير كلما زاد الآدراك وتحول فى عقول ووجدان الناس الى حالة وعي عام ينتج عنها حركة تغير كبرى كالتى شاهدناها فى أيام الثورة الأولى. هذا بالضبط ما ينقص الثورة فى هذه اللحظات لآن الوقت يمر مسرعاً بدون ان تكون امام الناس فرصة للفهم وبالتالي فرز الموقف وتمييز الجيد من القبيح. لاخظ ان القضايا الكبرى على عهد مبارك وقبل الثورة كانت قد قتلت بحثاً.
قبل الحكم على مبارك والعادلي وتبرأة جند فرعون كان عنوان الموقف هو التمييز بين مرسي او شفيق لأختيار اهون الشريين وكانت الدفة تميل ناحية المقاطعة او المرسي. وبعد الحكم جرت فى الأمور أشياء كثيرة. فالناس نزلت الى الشارع تعبيراً عن الغضب ورفض الحكم وبالتالي التقى الشارع فى الميادين فى كل المحافظات واصبح البحث عن حل هو ما يشغل الناس.
قرون الأستشعار ذهبت الى أمر من ثلاثة، الأول، تفعيل قانون العزل بغية عزل شفيق وبالتالي تمكين مرشحين معبرين عن الثورة من خوض جولة الأعادة او أعادة الأنتخابات بين ال12 متنافس من الجولة الأولى وليس بينهم الفريق شفيق. والأمر الثاني هو التصميم على مجلس رئاسي مدني مكون من حمدين صباحي، محمد مرسي، عبدالمنعم ابو الفتوح، عمرو موسى، و الدكتور البرادعي (بدلاً من الفريق شفيق) كمجلس رئاسي لقيادة الثورة ومن ثم بوسعه التفاوض مع العسكر ونقل السلطة اليه والمضي قدماً فى أنهاء المرحلة الأنتقامية والشروع فى البداية التى تأخرت كثيراً منذ يوم 12 فبراير 2011.
والأمر الأخير هو المقاطعة الأيجابية للأنتخابات التى أزعم ان نتيجتها ستكون فى صالح الفريق شفيق حتى لو صوت الشارع برمته للمرسي.
فى أثناء المناقشات فى الشوارع والميادين برز اقتراح آخر، غير مقبول على الآطلاق وهو تشكيل مجلس رئاسي يقتصر على الدكتور مرسي والدكتور ابو الفتوح والسيد حمدين صباحي. عدم قبول هذا الطرح اساسه ان هذا المجلس فى الحقيقة عبارة عن تحالف أنتخابي ليس الا وسيكون المرسي مرشح ومنعم وصباحي نائبين وهو الأمر الذى لم يقبله الشارع. فأن النتيجة مهما كان ستحسم لصالح الفريق شفيق وبالتالي سيأخذ شرعية على حساب الثورة ناهيك عن التخلص من كلاً من حمدين ومنعم فى أرض الأخوان المحروقة والتى رفضها الناس بعد آدائهم في البرلمان ومحاولة استحواذهم على كل السلطة وتحولوا فعلياً من المشاركة الى المغالبة.
الشارع فى المقابل لديه خيارات. كلما زاد الآدراك العام والوعي كلما سهل على الشارع تفعيل اصعبها وكلما قّل الآدراك أزداد الشقاق بيننا وبعدة الهوه. فنحن أمامنا ان نمسك بزمام المبادرة ونعيد تعريف قواعد اللعبة لصالحنا وعلى عكس هوى العسكر الذى استغل الموقف لصالح هواه لمدة تزيد على سنة ونصف. تغيير قواعد اللعبة معناها ان نرفض الأنتخابات جملة وتفصيلاً بعد ان كسر العسكر القوانين لصالح شفيق ودخل السباق ضد رغبة الشعب الذى آبداها عبر قانون العزل.
لكن هل آدراك الشارع (وخاصة الأخوان) وصل الى حالة وعي عام فى صالح هذا الأتجاه؟ أشك! لأن الأخوان على الأقل لم ولن تسحب مرسي والا ما كانوا دفعوا بمرشح وراء مرشح من الأساس على عكس ما وعدوا به مسبقاً! ومن ناحية ثانية الشارع امامه ان يلعب بناء على قواعد العسكر وبهذا آقصد ان نستمر طبقاً لخارطة الطريق ونجري الأنتخابات الرئاسية فى موعدها ولكن مع تفعيل قانون العزل. وبهذا أقصد تشديد الضغط فى الشارع (ممكن) عبر المسيرات فى كل مكان (وليس الأعتصامات) كل يوم وفى كافة أنحاء الدولة.
ومن الممكن ان نصل بهذا الضغط الى عزل الفريق شفيق ولكن سيبقى امامنا تحدي من نوع آخر وهو ضمان ان لا يعقد الأخوان صفقة مع العسكر كما فعلوها من قبل فى البرلمان (هل تذكروا نائب أسمه زياد العليمي؟) وأخيراً نقول للعسكر، مهما فعلتم ليكسب شفيق فلن يستقر الوضع او الأمر له او لكم! ولنا فى انتخابات برلمان 2010 آسوة! ام تظنون ان 6 مليون من انصار مرسي و5 مليون من انصار حمدين و4 مليون من انصار ابو الفتوح سنذهب ونتسلى بعيداً عن الميادين ونترك البلد ل5.5 مليون وراء شفيق؟ الشاهد ان الشارع لن ينتفض امام مرسي من اول يوم ولكن سيتربص له اما فى حالة شفيق فأن الشارع لن يطيقه ولن تستقر البلد نهايك عن استمرار تدهور الحالة الأقتصادية.
ان الحكم ببرأة جند مبارك جعل الشارع فى حالة فوران ولكن للأسف لم يحسن الأخوان استخدامها على الأقل الى الآن. ولا أعرف ماذا ينقص الأخوان ليقدموا التنازل وراء التنازل من اجل نيل ثقة ورضاء الناس ليصطفوا معهم على عكس الفريق شفيق الذى بادر بسرعة ليكسب الجولة لصالحه. الآن الكرة عند الأخوان ولو تآخروا فأن الكرة ستنزل الى الميدان وعلى كلاً من حمدين صباحي وعبدالمنعم ابو الفتوح ومحمد البرادعي ان يعبروا وبصدق عن الجماهير التى آختارتهم واصطفت ورائهم وأيدتهم وساندتهم فنحن نستحق منهم ذلك وأكثر. وفى كل الآحوال، الثورة مستمرة وكل يوم تفرز قادة جدد وان شاء الله المستقبل لنا. معتمر أمين