لا يمكن تفسير ظاهرة أحمد شفيق التى ظهرت فى الانتخابات الرئاسية، وهو الذى تم طرده من منصبه كآخر رئيس وزراء للمخلوع حسنى مبارك فى شهر مارس 2011 بفعل شعبى وفى مظاهرات احتجاجية أجبرت جنرالات معاشات المجلس العسكرى على إزاحته بعد أن أعلنوا الثقة به.. لا يمكن تفسير تلك الظاهرة إلا بتأكيد أن الثورة المضادة ترعرعت وأزهرت، وذلك بفضل إدارة المجلس العسكرى الفاشلة، الذى حاول أن يفوّت الفترة الانتقالية أطول فترة ممكنة للقضاء على ما يتعلق بالثورة.. وحرصه على إبقاء مؤسسات النظام المخلوع كما هى بشخوصها، ولا مانع بالمرة من الوقوف بحزم ضد الثوار، حتى لو وصل الأمر إلى القتل وسقوط شهداء جدد يُحتسبون عند الله شهداء فى سجل ثورة 25 يناير، كما جرى فى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وقصر العينى وأخيرا العباسية.. وإقناع الناس أن الثوار هم الخاطئون، فى إطار سياسة تشويه الثوار وإجهاض الثورة باستخدام نفس آليات النظام القديم.. ومن ثم الدعوة إلى الاستقرار والأمن.. وأن ذلك لن يتم فى أجواء الثورة، وعلى يد الثوار الذين تم تشويههم بكل الطرق، ووصل الأمر إلى تخوينهم.
.. ليكون الحل فى النهاية هو ال«شفيق» الذى سيدعم الأمن والاستقرار (طب مادعمهوش ليه خلال سنة ونصف؟). .. وجرى تجهيز الملعب له ليصارع على منصب الرئاسة، ويقدم إليه كل التسهيلات.. ويستعيد الخلايا النائمة من رجال الحزب الوطنى الساقط المنحل بأموالهم ونفوذهم، الذى ما زال باقيا حتى الآن فى بعض مؤسسات الدولة، خصوصا الأمنية منها.
.. ويحصل على دعم رجال الأعمال الذين نهبوا البلد وسرقوا أموالها وأراضيها فى عهد المخلوع بتقديمهم رشاوى إلى المخلوع نفسه أو عائلته أو من أركان موظفيه الكبار.. وهؤلاء جميعا وحرصا منهم على الحفاظ والاطمئنان على رأسمالهم المسروق دفعوا الملايين لأحمد شفيق ليصرف على دعايته ويشترى الأصوات والكتل التصويتية التى ما زالت كما هى موروثة عبر ثلاثين سنة من حكم استبداد مبارك وتزويره.
.. وجرى تسويق الأمن والاستقرار على يد شفيق، خصوصا بعد أحداث العباسية وتصويرها على أنها دعوة إلى إسقاط مؤسسات الدولة، بما فيها وزارة الدفاع، مع أن ما جرى فى الأساس لم يكن سوى مظاهرة احتجاجية أمام مقر حكم العسكر الذين أساؤوا إلى الثورة وأجهضوها.. وما زالوا حتى الآن يدّعون أنهم من حموا الثورة!! فليكن الحل هو شفيق الذى سيعيد الأمن والأمان.. والعسكر كمان.. وجرت الاستعانة برجال الإعلام الذين زيفوا وعى الناس فى زمن المخلوع وروجوا لوريثه فى حملة شفيق.. واستخدموا الدعاية بكثافة تعدت أى سقف حددته اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، حتى إنه يمكن وصفها بأنها تعدت السقف المحدد لكل المرشحين مجتمعين.. ومع هذا لم يوآخذه أحد على ذلك.
.. ووصل الانتقام من الثورة بأن يأتوا بشفيق الذى كان رئيس وزراء «موقعة الجمل»، التى كان مقررا لها -وفقا لقيادات الحزب الوطنى السابق ورموز النظام المخلوع- أن تقضى على الثورة بقتل المتظاهرين فى ميدان التحرير وميادين مصر باستخدام البلطجية ومسجلى الخطر وأفراد من أجهزة الأمن الذين تركوا مواقعهم فى ظاهرة مريبة -لم يسأل عنها أو يحاكم أحد عنها حتى الآن- وكان معه وزير داخليته اللواء محمود وجدى (لاحظ أن أيا منهما لم يُسأل فى تلك القضية، رغم وجود متهمين بحجم فتحى سرور وصفوت الشريف)، ويستخدم نفس هؤلاء فى العملية الانتخابية فى حشدهم ومعرفتهم بالتجارب السابقة فى انتخابات الحزب الوطنى المزورة، واستطاعوا أن يحشدوا من يملكون التأثير عليهم وشرائهم بالأموال.. ووقف رموز النظام المخلوع فى كل قرية ومدينة وراء ذلك ومعهم الأموال والتسهيلات والكشوف مكررة الأسماء للتصويت، من أجل إسقاط الثورة واستعادة الفساد والاستبداد واستمرار العسكر.
.. وهو الأمر الذى استخدمته أيضا جماعة الإخوان لتأييد مرشحهم الاحتياطى بحشد البسطاء والمحتاجين، من أجل التصويت لصالح مرشحهم بالأموال والسلطة التى هم فيها الآن.. والكشوف المكررة الأسماء وهم الذين استخدموها من قبل فى الانتخابات البرلمانية. ونصل فى النهاية إلى خيارين، كلاهما مرٌّ، دولة استبدادية امتداد لحكم العسكر على يد شفيق.. أو دولة دينية استبدادية على يد مرسى الاحتياطى.