قبل أن تعكنن على من حولك من فرط حماسك لاختيارك فى الانتخابات القادمة أرجوك راجع اختياراتك أنت الشخصية فى كل شىء، فى حياتك قبل أن تقهر مخالفيك وتمشى فارد جناحاتك كأنك جبت الزتونة، فى اختيارات الرئاسة فتقاطع هذا لأنه يراك مبالغا، وتستظرف على هذا لأنه اختار مرشحا احتمالات نجاحه ضعيفة، وتحذف هذا من قائمة أصدقائك لأنه يؤمن بقدرات مرشح أنت لا تراه أصلا، قبل كل هذا أرجوك راجع اختياراتك فى كل السنوات الماضية حتى النقطة التى نقف عندها الآن. راجع اختياراتك فى الحياة لتعرف أنك على باب الله زى حالاتنا، وأنك لا تمتلك كتالوج الاختيارات النموذجية وليست لديك نسخة من الإجابات النهائية لكى تحكم من خلالها على اختيارات الآخرين. راجع اختياراتك فى الحب، تذكر كم مرة انتهت اختياراتك ب«سى دى» عليه أغانى أمير الأحزان مصطفى كامل، هو ينتع وأنت تهز رأسك خلفه مؤمِّنا على خلاصة حكمة سيادته فى خوابير الغرام؟ تذكر اختياراتك فى الأصدقاء، وكم مرة انتهت بأن تستغل أقرب تجمع لتفضح فيه عمايل هذا الصديق فيك؟ تذكر اختياراتك فى الكلية التى دخلتها وخرجت منها دون أن تستفيد شيئا (ده لو كنت خرجت أصلا). تذكر اختياراتك التى وجهت إليها كل أنواع سب الديانات فى ملابس الخروج، التى تحولت إلى بيجامات بعد أول غسلة، والسيارة التى ستجعلك تقول فى الآخرة إجابة عن السؤال حول عمرك فى ما أفنيته قائلا فى مدينة الحرفيين، عن الموبايل الذى دفعت فيه دم قلبك ثم تخلصت منه بصعوبة أو عجزت عن التخلص منه، فتتأمله مع كل استخدام مربك وأنت تلعن أم «البلاك بيرى» أو غباوة «الآى فون»، عن اختيارك فى شبكة النت الذى يخذلك فى أجمل لحظات التحميل، أو اختيارك فى شبكات المحمول التى تتنقل بينها كالفراشة دون أن تحصل على ما يرضيك. تذكر كم مرة لم يعجبك ميكروباصا فقررت أن تتفاداه وتختار اللى بعده، فيطلع اللى بعده أضل سبيلا بسائقه بركابه بالموسيقى اللى شغالة فيه بكراسيه بقلة أدب وسوقية جامع الأجرة؟ تذكر كم مرة اخترت مطعما شهيرا فلزمت الفراش بعده أسبوعا على المسلوق واللقمة الناشفة؟ تذكر كم مرة اخترت أن تقف إلى جوار شخص محتاج، فيطلع نصابا؟ وكم مرة اتهمت فلانا كذبا بأنه نصاب فأصبحت كلما رأيته تضع رأسك فى الأرض ككلب بلدى؟ تذكر كم مرة اخترت طريقا مختصرا فلبثت فيه يوما أو بعض يوم (أو لبست فيه مش فارقة)؟ تذكر كم مرة اخترت النسخة الصينى من سلعة ما فندمت واخترت الأصلى فندمت أكثر؟ تذكر كم مرة اخترت فكهانيا من بين خمسة يقفون متجاورين، فألقى أهل بيتك ما اشتريته فى الزبالة مع وصلة بعنوان «يا ما جاب الغراب لأمه فى عيد الأم»؟ تذكر كم مرة احترت بين فرص عمل متاحة أمامك، فاخترت واحدة تصحو كل يوم تضرب نفسك ميت جزمة عليها؟ تذكر كاتبك المفضل كم مرة خذلك؟ ومطربك المفضل كم مرة اشتغلك؟ ولاعبك المفضل كم مرة طالبته بالاعتزال؟
تذكر تاريخك فى اختياراتك الفاشلة قبل أن تتحمق علينا، مش كده وبس، لأ، تذكر كمان كم كنت متحمسا لاختيارك فى كل مرة؟ تذكر كم مرة مشى اختيارك على رقبة شخص ما فخسرته؟ تذكر لتعرف حضرتك أنك لست أبو العريف ولا زرقاء اليمامة ولا حتى طائر الرُّخ، أنت مجرد شخص طبيعى نصف اختياراته فى الحياة خاطئة وربعها نجح قضاء وقدرا وبدعوات أمك.. أيوه أمك أنت.
تتمسك باختيارك مع احترام اختيارات الآخرين تبقى صاحبى وحبيبى وسأحترمك حتى لو ثبت أن اختيارك كان خاطئا، تضغط على أعصابنا باختيارك وتحاربنا وتعكنن علينا لن يرحمك أحد حتى لو ثبت أن اختيارك كان صحيحا.
فارحمنا أرجوك لأنك تتحمس لاختيارك زيادة عن اللزوم قبل أن تكتمل الصورة، فلا أحد يعرف البلد هتمشى إزاى بعد الانتخابات، رئاسية ولّا برلمانية ولّا مختلط ولّا خلافة ولّا بيّعة؟ لا يوجد دستور يوضح ما الذى يقدر عليه الرئيس وما لا يقدر عليه، لا يوجد ما يؤكد أن الرئيس القادم سيقدر على الوفاء بكل ما وعد به، فقل لى بالله عليك لماذا تقهرنا باختيارك؟
يقول السلف الصالح: لا تقل رأيك فى طعام حتى تتخلص منه وتخرجه.. فربما مدحت فى طعام بناء على المذاق لكنه يخلف فى الجسد ما بين حموضة أو تلبك معوى أو إمساك مزمن يقودك إلى البواسير، لذلك تمسك حضرتك باختيارك، لكن أجِّل حماسك العدوانى لحد ما يبان لاختيارك أى أمارة، لأن العملية -وبكل الحب- مش ناقصاك. أى شخص فينا عبارة عن 60٪ ماء و40٪ اختيارات خاطئة، فلا يوجد داعٍ لأن تتنطط علينا أو تحس إنك جبت الديب من ديله، وسمعنى سلام «كلامى انتهى» للفنان أحمد سعد.