اتصل بى الصديق الملحّن زياد الطويل، وقال لى: ماذا أفعل وأنا أستمع إلى من ينتهك حُرمة أغنية «خلى السلاح صاحى» التى لحنها والدى لكى نصوّب السلاح إلى الجيش الإسرائيلى، ولكنها تتردد بإلحاح فى ميدانَى التحرير والعباسية؟ لمن يصحو السلاح؟ هل لضرب المصرى للمصرى سواء أكان مدنيا أم عسكريا؟! الأغنية كتبها أحمد شفيق كامل ولحنها كمال الطويل بعد انتصار 73، وتلك النبرة الحزينة التى تجدها فى التعبير الموسيقى والتى تتغلغل فى نسيج اللحن سببها أن مصر بعد أيام قليلة من انتصار أكتوبر تعرضت لما أطلق عليه وقتها «الثغرة» التى نفذتها إحدى وحدات الجيش الإسرائيلى لكى تحاول ضرب الانتصار وبث صور للرأى العام العالمى تؤكد أن الإسرائيليين عبروا إلى الحدود المصرية ووصلوا إلى الضفة الغربية لقناة السويس، ولكن الجيش المصرى استطاع القضاء على الثغرة، وسلاح المقاتل المصرى لم يعرف النوم إلا بعد دحر العدوان.
الأغنية تم استدعاؤها مؤخرا إلى الميدان، وطوال أحداث الثورة نتابع كيف أن الذائقة المصرية تمكنت من أن تستعيد للحياة أغانى تحمل روح ونبض مصر، وكلها كانت علامات على حب مصر، «بلادى بلادى» لسيد درويش التى غناها الشعب عند عودة سعد زغلول من منفاه عام 23، وأغنية «يا أغلى إسم فى الوجود» التى رددتها نجاح سلام بتلحين الموجى فى حرب 56، و«يا حبيبتى يا مصر» لبليغ التى غنتها شادية وكانت واحدة من أكثر اللمحات المضيئة لانتصار 73.. هذه الأغنيات وغيرها مثل «بالأحضان» و«صورة» و«السد العالى» و«حاحا» كلها تتجاوز اللحظة التاريخية التى تناولتها لكى تعزف على الوجدان المصرى فى ثورة يناير هى أغانٍ حتى لو تَغنَّى بعضها مباشرة بجمال عبد الناصر مثل «يا جمال يا حبيب الملايين» فإن هناك دائما رابطة تجمعها باللحظة الراهنة فى حب مصر، ولكن ما علاقة «خلى السلاح صاحى» بما تعيشه مصر؟!
لقد سبق أن تَعرَّضت «خلى السلاح صاحى» قبل نحو أربعة أعوام فى فيلم «ليلة سقوط بغداد» لعدوان من نوع آخر عندما تحولت إلى إفيه بعد نجاح بطل الفيلم أحمد عيد فى إنجاز مهمته ليلة الدخلة على بسمة وبعدها تم استخدام الأغنية للترويج لأحد أنواع الفياجرا قبل وقف هذا الإعلان.
لا أحد من الممكن أن يصادر على مشاعر الناس، ولكننا نرفض أن يصل الأمر إلى أن يصحو سلاح المصرى ضد المصرى، حيث تقول كلمات الأغنية: «لو نامت الدنيا صاحى مع سلاحى.. سلاحى فى إيديا نهار وليل صاحى.. ينادى: يا ثوار.. عدوّنا غدار.. خلى السلاح السلاح صاحى».
أنا مثل كثيرين أرى أن المجلس العسكرى تُعوِزه أبجديات قيادة مصر، وهو متشبث بالسلطة ولا يريد أن يتركها إلا بشرط أن يضمن ولاء من يأتى بعده وأنه كلما تصاعدت المواجهات نكتشف أنه يتورط أكثر، وفى نفس الوقت تتضخم علامة استفهام تكبر عن سلاح البلطجية الذى يتم زرعه بخطة تبدو مُحكَمة.. دائما ما يتحركون فى لحظات حاسمة لتهيئة المناخ لمواجهة دامية تذهب ضحيتها الدماء الشريفة التى تراق على الأرض.
سلاح البلطجية هو واحد من الشفرات الغامضة التى لا تعرف بالضبط من أين تأتى، فهو أحد توابع موقعة الجمل التى تحركت من نزلة السمان إلى ميدان التحرير تحت مسمع ومرأى من المجلس الأعلى ولم يتم وقف هذا الزحف، وحتى الآن لا يزال الغموض يحيط بتلك الموقعة.. ربما تجد شيئا فى الكواليس يذكرك ببعض تفاصيل مما جرى فى محمد محمود والعباسية.. لا أحد يملك أن يتعامل مع كل ذلك بحسن نية ولا نعزوه حتى إلى قلة الخبرة للمجلس الأعلى.
فى المؤتمر الصحفى الذى عقده المجلس الأعلى للقوات المسلحة الخميس الماضى لم أشعر باطمئنان على ما هو قادم، ولكنه أكد الغموض الذى يجعل كل الاحتمالات ممكنة وكل الملفات مفتوحة ورغم ذلك لا أحد من الممكن أن يقبل أن يصحو سلاح مصرى مصوبا طلقاته إلى مصرى.
السلاح الذى نريده صاحيا هو الذى يحمى الثورة وسلميتها، وأن يظل السلاح صاحى صاحى نوجه فوهاته على حدودنا الشرقية إلى من يريدون بمصر أن تشهر سلاحها فى وجه مصرى.