قررت السعودية أن تسحب سفيرها فى القاهرة..القرار مفاجأ ! ولكنه كان متوقعا، بالنظر إلى مجريات الأحداث منذ إندلاع الثورة فى يناير من العام الماضى وحتى الأن . ففى البداية كانت الأحاديث عن دعم السعودية لرموز النظام السابق وقادة الثورة المضادة مجرد هواجس سرعان ما تطورت إلى تأكيدات ووقائع مصحوبة بالأدلة.. فقد قررت المملكة أن تشن هجوما إستباقياً على الثورة وقواها منذ اللحظة الأولى خشية من أن تستيقظ ذات يوم لتجد كرة اللهب وقد أصبحت بالفعل بين أرجلها . والواقع أنه عند النظر إلى هذه الخطوة التى قرر المسئولون السعوديون الإقدام عليها بقليل من الفحص والتمحيص سوف نكتشف مدى تعاظم حجم الإختلال فى توازن القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط عن ما كان عليه الحال من قبل، والذى نتج عنه هذا الإستعلاء الفج الذى تتعامل من منطلقه السلطات السعودية مع كل ما هو مصرى.. وخاصة عندما يكون تصعد خطير كهذا قد نتج عن مجرد توجه بعض المظاهرات الشبابية إلى مقر السفارة السعودية بالقاهرة للتعبير عن غضبهم جراء قيام السلطات هناك بإلقاء القبض على أحد المواطنين المصريين على أراضيها . ربما يكون الإقدام على خطوة كتلك التى قامت بها المملكة أيضا هى بداية أولية لصراع دبلوماسى سوف ينتج عنه – ولا شك – العديد من الأثار السلبية التى سوف تلحق بالدولتين الكبريين، فهو فى حقيقته يظل صراعا على الزعامة الإقليمية بعد أن إختارت مصر أن تمهد الطريق أمام السعودية للسيطرة على جميع دول الخليج العربى سياسياً وإقتصادياً وفكرياً أيضاً، وفضلت هى التراجع عن القيام بدورها التاريخى فى قيادة المنطقة بأسرها، وفى التصدى للكيان الصهيونى الذى بالتأكيد سوف يصب هذا الصراع المحتمل فى كفة مصالحه فى المقام الأول . أما من الناحية الإنسانية فإن هذا الصراع لا يتوقف بأى حال من الأحوال عند كونه مجرد رغبة كلا البلدين فى إقتناص زعامة ما من البلد الأخر، ولكنه ربما يتجاوز ذلك إلى تحوله إلى صراع بين المدنية المتمثلة فى شعب نجح لتوه فى إسقاط رأس نظام قمعى إستبدادى، ولكنه مازال يكافح فى إطار عملية صعبة تهدف بالأساس إلى إسقاط النظام نفسه.. وبين البدوية المتمثلة فى الرجعية والتخلف اللذين يحاول نظام اّل سعود فى المملكة فرضهما على الشعب السعودى . ربما حاول بعض النشطاء السعوديين فى وقت سابق لإندلاع الثورة المصرية - وإزدادت محاولاتهم بعد إندلاعها فى تأثر واضح بروحها السلمية - المطالبة بإنهاء حكم الملك عبدالله بن عبدالعزيز - الذى مازال يملكويحكم ويجلد ويقمع دون رقيب أو حسيب – وتحويل نظام الحكم هناك إلى الملكية الدستورية...وهو ما يخشى النظام السعودى من تطوره وتحوله إلى إحتجاجات شعبية عارمة قد تؤدى فى النهاية إلى الإطاحة به هو أيضاً، ولكن للأسف توقفت هذه المحاولات عند هذا الحد نظراً لما تواجهه من تحجيم وقمع هائلين . على أية حال، فإننا نتمنى أن يصل محتوى الرسالة بعد إنتهاء الأزمة الراهنة – التى نعلم جميعا أنها سوف تنتهى قريباً –بوضوح بأن مصر بعد 25 يناير ليست هى مصر التى عرفتها المملكة قبل هذا التاريخ، وأن الشعب المصرى سوف لا يسمح بأن يتعرض أحد أبناءه للإهانة أو الظلم مجدداً، دون النظر إلى طبيعة نظام الحكم القائم حينها، وهى الرسالة التى سوف يكون على الرئيس القادم أن يدركها جيداً حتى يستطيع إيصالها إلى جميع الأطراف داخلية كانت أو خارجية، أياً كان موقعها .