كتبت مراراً وتكراراً من قبل أن كل مواطن له حق ضائع في هذا البلد «العجيب» ليس معروفاً كيف يحصل عليه وليس مضموناً أن يسترده وليس منطقياً أن نقبل بهذا الأمر الواقع القبيح، خاصة أن الشعار المعلن في سلب حق المواطنين: «البجاحة المعلنة» أو البجاحة الشرعية أو البجاحة المتفق عليها لكي تصبح هي القانون الحاكم لهذا الواقع الذي يدار به مجتمعنا. لن أحدثكم عن سلب حقوق عمال بسطاء في مصانع لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهور ولن أحدثكم عن أطباء شباب يعملون في وحدات صحية مترامية الأطراف بمائتي جنيه، ولن أحدثكم عن أهالي يدفعون رشاوي علنية للمدرسين لضمان نجاح أولادهم، ولن أتطرق لآلاف المتضررين من السيول ولن أتحدث عن تهجير بعض أهالي الأقصر ..إلخ، بدلاً من تعديد كل صور سلب الحقوق وضياعها من أيدي المواطنين الذين يفترض أنهم أصحاب البلد الحقيقيون دعوني أحكي لكم قصة شديدة البساطة قد تلخص لكم مقصدي، وتثبت أن هذا الوطن يدار ب «الفتونة»، والفهلوة»، بالمصالح الشخصية، بالسرقة والنصب والاحتيال....اختر ما تشاء من المصطلحات ولكن لا تقل إن المجتمع يدار بالقانون أو بالحق أو بالعدل، مع احترامي لكل من يحلم ويناضل يكافح من أجل هذه القيم التائهة. القصة لا تخص المواطن «عمرو محمد حسني الدروي» وحده، بل تخص العديد من المتضررين مثله. الأستاذ عمرو يعمل محاسبًا قانونيًا وعضوًا بجمعية المحاسبين والمراجعين المصرية واتحاد المحاسبين العرب وجمعية إدارة الأعمال العربية وجمعيات أخري عديدة، أي أنه ببساطة رجل مال وعلم واستثمار واقتصاد، ورغم ذلك فهو لم يستطع الحصول علي حقه البسيط والبديهي كمواطن أراد أن يشتري لعائلته «شاليه» بالتقسيط في قرية تدعي «موسي كوست» برأس سدر، فإذ به يتعرض هو وآخرون لعملية ابتزاز من الشركة المالكة والتي تنشر إعلاناتها الملونة في الصحف المختلفة.. قام الأستاذ عمرو - وغيره كثيرون - بسداد كل الأقساط المطلوبة منه وفي المواعيد المحددة وفق العقد المبرم بينه وبين الشركة بما في ذلك تسديده حتي دفعة الاستلام ومقايسات الكهرباء والمياه والدش المركزي. قامت الشركة بالمماطلة في التسليم لمدة عام ونصف العام، وقام المتضررون بعمل محضر بقسم شرطة رأس سدر لعمل معاينات للشاليهات علي الواقع، وبالفعل أثبتت رسمياً أن الشاليهات بدون أرضيات، بلا محارة، بلا أعمال صحية، بدون أبواب، بدون دهانات مما يثبت سوء نية ومقصد الشركة التي أرادت تحصيل أموال إضافية من العملاء دون وجه حق. بمنتهي الدأب قرر السيد عمرو عدم السكوت عن حقه وقام بإرسال شكوي إلي هيئة التنمية السياحية ضد شركة مصر إيطاليا المالكة للمشروع منذ حوالي عامين، وأخذت الأمور في الجذب والشد حيث أرسلت الشركة رداً منافياً ومغالطاً للعقد ثم تدخلت هيئة التنمية السياحية لحل الخلاف بالالتقاء مع رئيس مجلس إدارة الشركة وبين المتضررين غير أن هذا اللقاء قد أسفر عن مطالب مالية جديدة جزافية، ولإثبات حسن النية وافق المتضررون رغم أنوفهم. وتم تحديد موعد لسداد قيمة المطالبات الجديدة واستلام الشاليهات والتوقيع علي محضر تسليم يتم إثبات كل ما تقدم من الاتفاقات فيه، ولكن بمطالبة الشركة عشرات المرات بتنفيذ وعدها، تعنتت وتهربت وتلاعبت بهم وبالهيئة. العجيب والمثير أن هذه الشركة المالكة مستمرة في حملاتها الإعلانية المسموعة والمقروءة بمنتهي القوة. ومع تعنت الشركة وتلاعبها - علي حد تعبير المتضر - قام برفع دعوي قضائية رداً علي دعوي فسخ العقد التي أقامتها الشركة ضده بالباطل (كما فعلت مع العديد من المشترين الآخرين)، وقد فصلت فيها المحكمة من أول جلسة ودون التحويل لمكتب الخبراء لوضوح المستندات الدامغة المقدمة من طرفه والتي تثبت التزامه بتطبيق بنود العقد وسداد جميع الالتزامات، وحكمت فيها بتسليمه الشاليه وتعويضه عن الضرر الواقع عليه جراء عدم التسليم، وإلزام الشركة بالمصروفات ورفض دعوي فسخ العقد، وكانت المفاجأة الكبري عندما استأنفت الشركة الحكم وجحدت المستندات التي تم تقديمها كنفس السيناريو الذي اتبعته الشركة مع المشترين الآخرين. يقولون في الأمثال المثالية: «ما ضاع حق وراءه مطالب»، ولكن في بلادنا وللأسف الحق يضيع رغم أن وراءه مطالبًا بإلحاح وبدأب وبكفاح، مطالبًا يفترض أن القانون والقضاء نصفه وأقر بحقه ومع ذلك لم يسترد حقه.. أليس هذا يدل علي «مهزلة اجتماعية»؟ مهزلة أن يوجد عشرات المواطنين يتضررون مما يتضرر منه السيد عمرو الدروي ومع ذلك لاشيء يحدث سوي أن الشركة مستمرة في إعلاناتها متوسعة في مشروعاتها لجذب المزيد من المتضررين، وكل هذا يحدث علي مرأي ومسمع من الجميع وكأن هناك شرعية لسلب حقوق هؤلاء العملاء الذين هم في النهاية مواطنون. وكما يقول السيد عمرو في شكواه: «التقيت بالصدفة عند زيارتي الأخيرة للشركة - في محاولة لاستعادة حقي المسلوب- بالعديد من المشترين الذين لهم شكاوي مماثلة لحالتي(رفعوها للهيئة العامة للتنمية السياحية دون جدوي أيضًا) من ناحية التأخير في التسليم، أو الامتناع عنه، أو رفع الشركة عليهم لدعاوي فسخ عقود بدون وجه حق أو الطعن بالتزوير في المستندات للذين رفعوا قضايا علي الشركة، أو المطالبات المالية الضخمة غير المبررة والتي لم تكن محل اتفاق عند التعاقد، أو بالمخالفة للتصميمات المعتمدة من الهيئة العامة للتنمية السياحية،..... إلي غيره من الأسباب التي تثبت باليقين سوء نية الشركة واستغلالها البين للمشترين.....مع كل هذه التجاوزات وبالرغم من صيحات التحذير التي أطلقناها للجهات الرقابية فإنها لم تحرك ساكناً. فما هو الطريق الآخر الشرعي الذي يمكننا أن نحصل به علي حقوقنا مادمنا غير قادرين علي استرداده بالقضاء وبالقانون وبموجب الوثائق والمستندات الرسمية؟!...ما هي الوسيلة؟!...لا أعلم!! إنه سؤال في مقتل.. سؤال لا يخص المحاسب القانوني السيد عمرو - الذي لم يستطع علي مدار عامين الحصول علي حقه بالقانون - ولكنه سؤال يسأله كل مواطن مسلوب الحق في هذا المجتمع العجيب الغريب الفاسد فساد البجاحة المعلنة «الشرعية».. لما يضيع حقنا نجيبه إزاي؟!!. هذه مجرد قصة قد تبدو عادية وبسيطة لمواطنين «مش عارفين يستلموا «شاليه بالتقسيط» ولكنها رمز لمأساة يومية متكررة باختلاف أحداثها و«سيناريوهاتها» المريرة التي تلاحق كل مواطن في رحلة البحث عن حق مسلوب له. الظلم وقع، المتضررون يصرخون وينادون ويرجون ويناشدون، المنتفعون مستمرون في مصالحهم، واستثماراتهم، ونحن نكتب وقد نشفي غليل وأوجاع المتضررين شفاء وقتياً قصيراً، ولكن السؤال: هل سيستردون حقوقهم، هل هناك من يسمع؟ هذه مشكلة مجتمع يحكمه كل مسئول «مقرر أن يكون أطرش»!!!!