رحلة طويلة يقطعها القطار وجواه شايل وشوش كتير وطول الطريق ناس بتطلع وناس بتنزل في المنيا، أسيوط، سوهاج وقنا قبل ما يوصل لأسوان .. أيوه هوه ده.. قطار الصعيد وهناك في واحدة من محطاته الأخيرة يقف في مركز كلابشة ويفتح الباب بعد 13 ساعة من الأسر (يمكن 14 أو 15 إنت وحظك مع هيئة السكك الحديدية) ولما تنزل من القطار هتلاقيها أول شيء تقع عليه عيناك «قرية قرشة النوبية» القرية اللي علي شمال محطة القطار، قرية هادئة وصغيرة لما تلف شوارعها القليلة هتتعجب إن ده أصبح حجم قرية موجودة علي الخريطة من قديم الأزل عندما كانت النوبة بلادًا كبيرة وحضارة توازي الحضارة الفرعونية وكان اسمها ساباجورا ثم أصبح «كيشي» وأخيرًا هي قرشة «دولة العلم والإيمان» زي ما يطلق عليها لأنها من زمان فيها أعلي نسبة تعليم بين جميع قري النوبة. القرية كباقي قري النوبة أهم ما يميزها النظافة، فالبيوت بسيطة أغلبها دور واحد أو دورين بالكتير مزينة من الخارج ومعطرة من الداخل وقدام كل باب سبيل بيتغسل مرتين في اليوم وهي نظافة تنفي فكرة أن الفقر والقذارة مترادفان وهي فكرة رسختها عشوائيات القاهرة، فهناك جايز تكون البيوت فقيرة وده مش عيب لكن العيب بالنسبة لأهلها قلة النظافة، والنظافة عمومًا ميزة في كل بيوت النوبة. أما الناس فهم طيبون وهادئون علي الفطرة بسطاء لا يحبون البهرجة ولا يحبون من يسخر منهم ويكرهون المتكبرين جدًا لكن كراهيتهم للمتكبرين لم تمنع الحزب الوطني من السيطرة علي الانتخابات هناك لأن مفيش وجود للأحزاب في النوبة ولا للإخوان واليأس جعل الناس تصدق إن الحزب الوطني هيحل مشاكلهم، ومشاكل القرية معروفة هي نفس مشاكل كل قري «التهجير العشوائي» أولها مفيش ظهير صحراوي للقرية يسمح باستيعاب الزيادة السكانية ده غير إن المنطقة طاردة للسكان خالية من أي موارد وبالتالي من فرص العمل لذلك يلجأ كثير من شباب القرية إما للسفر للخليج أو للقاهرة أو شرم الشيخ أو الغردقة، فالبطالة أكبر شبح يهدد شباب القرية، أما من بقي منهم داخلها ومعظمهم من الطلبة فمفيش وسيلة يقضوا بيها وقتهم غير كرة القدم .. عشق الكرة هناك جنوني ولو اتفرجت علي ماتش في مركز شباب القرية هتشعر أنك في واحد من شوارع ساوباولو أو بيونس آيرس والمواهب كتير لكن مفيش حد بيكتشفها فبتدبل وتنتهي لأن القرية لم تنجب لاعب كرة إلا محمود صالح لاعب النادي الأهلي في الثمانينيات ومدرب بتروجت الحالي لكن الناس بتراهن دلوقتي علي شبل اسمه جرندو بيلعب في الإسماعيلي ونفسهم الأهلي يخطفه لأن البلد معظمه أهلاوية يقابلهم قلة زملكاوية زي أي قرية في مصر، القرية أنجبت أيضًا المطرب بحر أبو جريشة الذي ذاع صيته في مصر كلها في السبعينيات وأيضًا هي قرية الأديب إدريس علي الذي تمت مصادرة روايته الأخيرة « الزعيم يحلق شعره» في معرض الكتاب الأخير بحجة احتوائها علي ما يسيء للزعيم الليبي معمر القذافي.