إسقاط الدولة أو رفعها لعنان السماء بيد شعبها، لو أراد الأولى،يتحول الى شعب فوضوي كسول متخلف لايعمل لنصرة بلاده، وإذا أراد الثانية يتحول عكس ماذكرناه بأن يكون شعب جسوراً فداء لوطنه معتزاً بجنسيته ، مخلصا في عمله، حافظا لقانونه منفذاً لتعليماته، والأهم أن يكون على توافق تذوب أقليته في أغلبيته، ويعرف ثقافة الاختلاف وحق الآخر في تساويه معه في نفس الحقوق، ونبذ العنف، والتشجيع على التحاور والتشاور،وقتها ستجد وطناً يعيش بداخل شعبه يحبه ويعشقه، يموت من أجل رفعته، والوصول به إلى المجد الذي سيخلده التاريخ،ولتكون رفاهية الوطن وكرامته، ومكانته الدولية والإقليمية بحجم تأثيره بنخبه بمثقفيه بمبدعيه بأطبائه بعلمائه، وكل موروثاته الثقافية والحضارية،ومصر بشعبها من أوائل الدول التي أثرت البشرية منذ عهد الفراعنة وحتى وقتنا هذا،ونحن متفقون جميعاً أن النظام البائد لم يكتف بنهب خيرات مصر وسرقة قوت شعبها على مدار ثلاثين عاماً،بل سرق عقل شعبها وخربه ودمره بما تحمله الكلمتان من معنى، فلم يكن يتوقع أحد ان يكون هذا الشعب الذي جمعه الميدان في لحظات تجلت فيها كل معاني الوطنية وإنكار الذات وعشق الوطن، ووقف صفاً واحداً بكل أطيافه بمسلميه بمسيحيه، بالاخوان بالليبراليين بالسلفيين بالعلمانيين قل ما شئت،بغير مصنفيه السياسيين، وقف كالبنيان المرصوص مابين القاهرة والسويس والاسكندرية والصعيد وبحري، وقال لا لبقاء مبارك، لم يضعف أمام التنازلات التي ظل المخلوع يقدمها يومياً على مدار ثمانية عشر يوماً، وأصر على رحيله وقد كان كل هذا الاعجاز، و الابهار، و الابداع، وفي الوقت الذي انتظرنا فيه جني ثمار مازرعناه، نكتشف جميعا اننا امام عقول لاتستوعب، وصراعات تبدأ لاتنتهي، وخلافات تتعمق وتتجذر فتفسد ريح الجميع وتضيع معها نقطة الالتقاء، وتتباعد جميع الاطراف، والنتيجة ثرثرة على جسد الثورة، والسبب سرقة العقول، والتي وهنت وماعادت تفكر وتستوعب بفعل النظام البائد، وانعكس كل ذلك على مصر بعد الثورة، فلم يكون يتوقع أحد أن تكون النخبة بهذه السذاجة والسطحية في التفكير والطرح، والتي يقع عليها قيادة أمه وتنوير شعب ونقل وطن من حالة اللادولة الى دولة مؤسسات، ولم ينفع الارث الثقافي والحضاري، وكاننا دولة حديثة العهد ليست لها بصماتها على البشرية، رغم العقول التي نصدرها يومياً لتبدع في غير وطنها، نحن أمام حالة تراجع رهيبة في العقول، هي من عمقت من أزمتنا وترهلت معها الدولة،ولاتلوموا المجلس العسكري،فهذه امكاناته ولاغيرها، فالمشير لم يكن يوما رجل سياسة والمجلس لم يكن يوما من صناع المعجزات، فثورة يوليو 1952 عندما قام بها العسكر كانوا يتعاطون السياسة وكونوا خليتهم من قلب الجيش رافضين لسياسة الملك فاروق وقتها، لكن ثورة 25 يناير لم يصنعها الجيش بل تفاجأ بها كما تفاجاً المخلوع تماماً، لأن الشعب من صنعها،فلايعقل بعد كل هذا أن نستمر في التلذذ بتعذيب الوطن وتضييع هوية أمه، من اجل صراعات فئوية تارة ونخبوية تارة أخرى على من يكون الرئيس القادم، التاريخ مليء ومزدحم بالثورات قديمها وحديثها، لم نجد ثورة بدأت في اللعب في الوقت الضائع من بدايتها سوى ثورة 25 يناير، فقد اندلعت وسط ركام وحطام وطن وارث تنوء الجبال بحمله،بعدما أفسد النظام البائد كل اشكال تقدم الوطن ورقيه بل أتى على مايؤدي لذلك وبقوة،كان علينا أن نتعامل مع هذا الواقع من البداية، ونعي أننا أمام وطن يحتضر، الا اننا أهملنا الوطن، وتحول اهتمامنا به الى صراع على المكاسب،مكاسب ليتها تدوم بل من ستؤول اليه اليوم،سترحل عنه غداً، وعلينا أن نفكر ونتعلم من أخطاء نظام رحل قدم لنا كل نماذج السلبيات التي أتت على وطن، لكننا للأسف بدلاً من أن نتلافاها، نكررها وبقسوة لنأتي على ماتبقي من الوطن.