مصر بين مفترق طرق في بداية حقبة تاريخية مهمة تنسج خيوطها أطراف عدة، بعد مرور 14 شهرا على ثورة 25 يناير،فلم يمر يوم إلا وهبت عواصف تضرب بأمن مصر واستقرارها، بعدما سرقت الثورة من الشعب، وانصرف من ائتمنهم عليها لجمع الغنائم، وتصدر المشهد الثلاثي (المجلس العسكري والاخوان المسلمون والسلفيون)، وتوارى شباب الثورة في الخطوط الخلفية، ووضح مدى التباطؤ والتواطؤ من المجلس العسكري والداخلية، والرغبة في إجهاض حلم التغيير، وزهقت أرواح شهدائنا في عدة ميادين، ولم تصل يد العدالة إلى أي مذنب لوثت يداه بدم أبنائنا، ورويداً رويداً تكشفت اللعبة،بأن هناك مؤامرات واتفاقات تعقد في السر والعلن بين المجلس العسكري والإخوان ودخلت أمريكا كلاعب رئيسي في تشكيل شكل الدولة القادم، ليأتي الدفع بعمر سليمان على منصب الرئاسة، في توقيت لم يكن صدفة بل جاء بعد عقد عدة صفقات،الطرف فيها أمريكا والمجلس العسكري، وإسرائيل تراقب من بعيد لتبقى أحد الأطراف اللاعبة بالتأكيد في شكل الدولة القادم، والتصريحات التي خرجت من تل أبيب تؤكد ذلك، بالترحيب بعمر سليمان بمباركة أمريكية مصرية من المجلس العسكري،ووقع الكثيرون من أبناء الشعب في الفخ الذي نصبه المجلس العسكري والإخوان، فالأول أجبر البعض ومعه الداخلية، على كره الثورة ولعن سنسفيل اليوم اللى قامت فيه، بعدما ترك الحبل على الغارب للبلطجية والعابثين بأمن الوطن، وصور للشعب أن الثورة كانت وبالاً عليه وليست مخرجاً من عصر الفساد والاستعباد الذي استمر ثلاثة عقود، انقصم فيها ظهره وأكل منه الفساد وشرب، فذهب البعض يترحم على أيام المخلوع وما صاحبها من أمن واستقرار على حد قولهم، فيما انصرف الإخوان الطرف الثاني لجمع الغنائم، كأكبر قوة سياسية ساعدهم تنظيمهم الجيد والمرتب في خداع الشعب وما إن آلت إليهم الأمور بالفوز بالأغلبية في البرلمان، سرعان مانسوا الثورة والميدان وبدأوا في البحث عن الاستيلاء على السلطة من قاعدة الهرم لقمته. ووقف الشعب وحيدا في الميدان يتلقي الضربات، من كل جانب ليأتي الدفع بعمر سليمان ليكون المنقذ، وصدق الكثيرون الخدعة، وجمعوا له أكثر من 60 ألف توكيل خلال ساعات ونسوا سريعا أنه من سعى لإجهاض الثورة منذ يومها الأول وكان شريكا أصيلا في كل سياسة النظام البائد، ورجل أمريكا الأول وأهلا للثقة في إسرائيل بعدما قدم لهم فروض الطاعة في أكثر من موقف، بداية من ضرب حماس وحصار غزة ، وتبني وجهة نظر أمريكية إسرائيلية بحتة، في الصراع الأبدي مع اليهود على أرض فلسطين، واستخدامه أسلوب الضغط تارة والترغيب والترهيب تارة مع الفلسطنيين لصالح الصهاينة، وعباس المسكين دائما ما كان يرضخ لضغوط سليمان بدعم بالقطع من المخلوع حسني مبارك.
ونحن الآن أمام موقف صعب يتمثل في العودة للخلف إلى ما قبل الثورة، وقد يكون بشكل أعنف، فلو قدر لسليمان الترشح فهذا يعني أنه توريث بشكل رسمي لمبارك، مع تغيير فقط في الأسماء والأدوار، ليكون المسمار الأخير في نعش الثورة وتشييعها للأبد، بعدما تكالب عليها الفلول، وتقاعس المجلس العسكري والداخلية، ومطامع الإخوان التي لاتنتهي ولن تنتهي.
ولابد أن نقر ونعترف الآن أننا أمام مشهد إسدال الستار على الثورة، بعدة صفقات عقدت ما بين أطراف داخلية وخارجية، فالحزب الوطني عاد يطل برأسه، والاسلاميون مشتتون بعدما وضح أن خبراتهم السياسية غير موجودة، وأن انتخاب الشعب لهم كان غلطة لاتغتفر، والاخوان يبحثون عن غنيمة أخرى، وأمريكا وإسرائيل يبحثان عن رئيس خانع موال لهما، ومصر تبحث عن نفسها، وعن منقذ وهذا لن يتأتى إلا بالتوافق بين كل القوى لإجهاض كل محاولات سرقة الثورة، ويبدو أن الموعد فات بالفعل.