وكأن الإخوان استيقظوا فجأة ذات صباح، فوجدوا أن عمر سليمان خائن للثورة وقاتل للثوار وعميل لإسرائيل! حالة الهجوم الضاري التي تشنها جماعة الإخوان المسلمين هذه الأيام، على اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق، والمرشح للانتخابات الرئاسية، تثير الكثير من علامات الاستفهام، فإن كنا نتفهم حالة الغضب تجاه الرجل بعدما قال أن أعضاء بجماعة الإخوان هددوه بالقتل عقب إعلانه الترشح، إلا أننا لا نستطيع استيعاب كم الجرائم التي أخرجها الإخوان فجأة بحق عمر سليمان، وكم الوثائق التي اتضح أنهم "ماسكنها" على نائب الرئيس المخلوع والتي في أبسط الأحوال تدفع به خلف القضبان لسنوات طويلة!
فقد خرج علينا المحامي عبد المنعم عبد المقصود، محامي الجماعة - ومنسق حملة خيرت الشاطر رئيسا - ليؤكد أن الجماعة لن تسكت على اتهامات سليمان، وأنه ستقاضيه، بل وستفتح الملفات القديمة، لقاتل المتظاهرين خاصة في موقعة الجمل، مؤكدا أنه حان الوقت لدراسة الأسباب التي أدت لاستبعاد سليمان تحديدا من الاتهام في هذه القضايا!
الكتاتني في اجتماع نائب مبارك أثناء ثورة يناير
وعقب هذا التصريح، أصبح الإخوان بين يوم وليلة، يسمون "سليمان" ب"خادم مبارك"، و"مبارك2"، و"الوجه الآخر للمخلوع"، و"قاتل الثوار"، وانبرى شباب الجماعة بتركيب صور وبوسترات تظهر سليمان في مظهر السفاح، والشبيه لمبارك في ملامحه، واليهودي الإسرائيلي الخائن، وأصبحوا يتلمسون كل ما يكتب بشكل سلبي عن سليمان ليبادروا بنشره في صحية الحرية والعدالة الناطقة باسم الحزب، أو في موقع إخوان أون لاين التابع للجماعة، والموقع التحديدا، سارع بنشر وثائق "خطيرة جدا" تدين سليمان، وتكشف تورطه في عمليات بيع الغاز لإسرائيل، معتبرا أن هذه الوثائق ستضع سليمان في خلف القضبان بتهمة "الخيانة العظمى"! وظهرت الجماعة وأعضائها، في مظهر المدافعين عن الثورة في وجه أعدائها ورجال النظام السابق "الفلول" الذين يقودون الثورة المضادة، ولكن السؤال: لماذا لم تظهر هذه الوثائق وهذه الاتهامات وهذه المواقف إلا الآن بعدما اتهمهم الرجل بمحاولة قتله؟ هل كان ينتظر حزب الأغلبية أن يترشح سليمان ضد خيرت الشاطر، ليفتح "كل الملفات" ويبدأ في محاسبة أعداء الثورة، أين كان شعورهم بالواجب الوطني قبل ذلك، الذي يلزمهم بالكشف عن هذه الجرائم والسعي لمحاسبة قتلة الثوار من البداية؟ ألم يكن لديهم أي ضمير ثوري يدفعهم للسعي لمحاسبة الرجل؟ الجماعة التي تسعى لتطبيق الشريعة، ألم تجد في الشريعة نصا يخبرها أن الساكت عن الحق شيطانا أخرس؟! أم يقرأ أي من قيادات الجماعة الحديث الشريف: «إنما أَهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه.. وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد»؟! في 7 فبراير 2011 - أي بعد موقعة الجمل وبعد سقوط العديد من الشهداء الأطهار - قال الدكتور محمد سعد الكتاتني في لقاء تليفزيوني، عقب اجتماعه بنائب رئيس الجمهورية آنذاك اللواء عمر سليمان، أنه مقتنع بكلام سليمان، واصفا وعوده بأنها "شيء إيجابي"، و"مهم" و"ممتاز جدا"، ولم يذكر حينها شيئا عن جرائم سليمان، ولا الشهداء ولا موقعة الجمل!! بل إن الكتاتني دافع عن نظام مبارك ممثلا في شخص سليمان، مطالبا بحماية ما أسماه ب"مشروع عمر سليمان" في قيادته للمرحلة، ولم يتحدث عن علاقة عمر سليمان بإسرائيل ولا عن جرائم الخيانة العظمة التي يوجهها الإخوان له الآن!! الطريف، أن الكتاتني في حذر من وجود أصحاب مصالح تسعى لإعاقة مشروع "سليمان" لقيادة المرحلة، مؤكدا أن الخطوات التي اتخذها سليمان حتى يوم 7 فبراير تحديدا أراحت الشعب المصري وبعثت فيه الطمأنينة، معتبرا أن الحقوق التي حصل عليها المصريون حتى هذا التاريخ تستوجب أن يصبروا على النظام ويمنحوه الفرصة!! وهكذا، كشف لنا الكتاتني دون أن يدري، سر سكوت الإخوان كل هذه الفترة عن جرائم سليمان وتجاهلهم لدماء الشهداء، وتذكرهم لهذه الجرائم فجأة الآن.. السر لم يكن في دماء الشهداء.. ولا الواجب والضمير الوطني.. ولا الشريعة الإسلامية التي يدعون الدفاع عنها والتحدث باسمها.. وإنما هي فقط: "المصلحة".
الكتاتني الثاني على يمين سليمان.. ومرسي الرابع من اليسار الوثائق التي نشرها موقع إخوان أون لاين، من المحتمل أن تورط جماعة الإخوان المسلمين في جريمة تستر، حيث أنهم امتلكوا الدلائل القاطعة على ارتكاب سليمان لجريمة الخيانة العظمى، ورغم ذلك لم يظهروها للسلطات، إلا عندما استدعت المصلحة السياسية ذلك، كما أن حديثهم عن اشتراك سليمان في جرائم قتل الثوار، يكشف أنهم يملكون أدلة على تورطه في جرائم قتل ولكنهم تستروا عليه أيضا لنفس السبب. وبغض النظر عن ارتكاب الإخوان للجريمة الجنائية من عدمه، إلا أنهم قطعا ارتكبوا جرائم أخلاقية وسياسية في حق هذا الشعب، الذي بات يحيى تحت رحمة جماعة، يمكن أن تدفع أي شيء مقابل مصلحتها، حتى لو كان دماء المصريين الذين انتخبوا أعضائها وجائوا بهم إلى البرلمان! ظني، أن هناك كثير من البسطاء، عقب سقوط كل الأقنعة بعد عام على الثورة، ينتظرون وعد الرسول – صلى الله عليه وسلم – بهلاك كل الشياطين الخرس.