معتمر أمين اخطر شيء فى الأقتراض من الخارج ان تقترض دولة من اجل ان تستهلك، لأنها لن تجد مصدر تسدد منه تلك الأموال عندما يأتى تاريخ استحقاقها! اما أذا كان الأقتراض من اجل الأنتاج فالدولة المقترضة تستطيع عبر زيادة انتاجها (وبالتالى المبيعات) ان تحصل على الأموال اللازمة لتسدد ما عليها! المفترض ان الحكومات المتعاقبة على آدارة مصر كانت تقترض من اجل زيادة الآنتاج وبالتالى تستطيع ان تسدد ما عليها من ديون فى مواعيد الأستحقاق وان لا تراكم هذه الديون! فأذا كان الأمر كذلك، فكيف نفسر ان مصر مازالت مدينة للخارج بحوالى 35 مليار دولار (لاحظ ان المجلس العسكرى استدان حوالى 8 مليار دولار من بداية الثورة الى الآن)؟ وهل هذا هو حجم الديون بالكامل؟ وكيف وصلنا الى هذا الرقم (خاصة بعد اسقاط اغلبية ديون مصر العسكرية بسبب المشاركة فى حرب الخليج الثانية سنو 1990)؟ وهل الدين فى حدود الآمان؟ ولمن ندين بتلك الأموال؟ وهل هناك شروط ساسية واجتماعية واقتصادية لتلك الديون!؟ ولماذا الآن نريد ان نقترض مجددا بعد عام على اندلاع الثورة؟ اى اقتراض فى الأساس يكون بسبب احدى امران، اما ان يكون هناك عجز فى الموازنة (الحكومة تصرف بأكثر مما تحصل من ايراد) او ان الحكومة ترى ان هناك فرصة للحصول على تمويل رخيص (الأقتراض بسعر فائدة اقل من المتاح) وبالتالى تصبح تكلفة الأنتاج قليلة وينخفض سعر المنتج النهائي (هذا اذا كنا نقترض من اجل الأنتاج اساسا) ولكن كيف نفسر ارتفاع الأسعار "حتى والسوق واقف"، أليس المنطقى ان عدم اقبال الناس على الشراء يجعل الأسعار تنخفض؟ ثم لماذا تصرف الحكومة بأكثر مما تحصل؟ وفي ماذا تصرف الحكومة اساسا؟ ما سبق هو محاولة لألقاء الضوء من فوق سطح المياه على الجزء الغاطس من جبل الحقائق الذى لا نعرف منه شيئا الا رأسه الظاهر فوق السطح! ولأننا ننظر من فوق سطح المياه فأن ما نراه من الجزء الغاطس من الجبل ليس كل الجبل وبالتالى نحن لا ندرك عمق الجبل او المأساة. كل ما نعرفه فورا اننا بحاجة ماسة للأموال لكي تسير العجلة. حسناً، لكن هناك طرق أخرى للحصول على الأموال اللازمة مثل زيادة الضرائب! لكن الشيء العجيب اننا لم نزيد الضرائب بل على العكس، كانت اول قرارات الحكومة بعد الثورة هو الغاء الضريبة العقارية التى لم يكن الفقراء ليدفعوا اى شيء فيها. لمصلحة من تم الغاء هذه الضريبة؟ وهل استخدم المجلس العسكري صلاحياته التشريعية لألغاءها (الضريبة تفرض وتلغى بقانون) كان امر رشيد؟ ثم كيف نلغى ضريبة ثم نرفع مرتبات الضباط وافراد الأمن فى الجيش والشرطة؟ من المسؤول عن تلك القرارات؟ وكيف نلغى ضريبة ثم نذهب الى الخارج لنستدين؟ الشاهد، ان المسؤول الأول والآخير عن آدارة الأقتصاد وعجلة الأنتاج هو المجلس العسكرى الذى يمسك بأدارة البلاد بعد ان عينه المخلوع بدلا منه! والشاهد ايضا، ان دولا عديدة مدت يد العون وقالت انها ستستثمر فى مصر مبالغ طائلة. مثلا، قطر والسعودية قالتا انهما سيستثمران مبلغ 10 مليار دولار لكل منهما! لكن تلك المبالغ لم يدخل منها الى مصر الا القلة القليلة التى لا تتعدى 600 مليون دولار! بالطبع، نحن لا نعلم اين دخلت تلك المبالغ! ولا اين وجهت! لكن الأهم فى رأيي، هو لماذا لم تلتزم تلك الدولة بما قطعته على نفسها من عهود؟ اذا افترضنا ان السعودية كما يشاع ضد محاكمة مبارك ولذلك لم تفرج الا عن 200 مليون دولار فقط! فهل نستطيع ان نقول نفس الشيء عن سبب امتناع قطر التى وفت بارسال 400 مليون دولار فقط؟ ام ان هناك سبب آخر؟ هل نستطيع ان نقول ان الأمر ليس له علاقة بالماضى وان الدولتان لا يريدان ارسال اموال الى من لا يعرف كيف يديرها، فتضيع كما ضيعت امور آخرى كثيرة، ثم تجد الدولتان انهما بحاجة الى المساعدة مجددا؟ فى هذا الصدد، اشعر بالحيرة من فهم تصريحات النائب عصام العريان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب التى قال فيها، ان التغير سيطال المنطقة كلها، فى اشارة الى سوريا ودول الخليج! الحقيقة انى اتسائل، ما هو وقع هذا الكلام على الحكومات الخليجية؟ وهل ننتظر منهم المساعدة حقا؟ بالعودة الى اصل الموضع، ارجوا ان يكون واضح بطريقة لا لبس فيها، ان الدولة بحاجة الى سيولة، لتسير المركب وان شح السيولة ليس بسبب توقف الأنتاج كما يشاع وانما بسبب الدولة الفاشله التى خلع منها مبارك واسندها الى العسكر بدون شرعية! لاحظ ان التصريحات الحكومية على لسان وزير المالية الأسبق "سمير رضوان" التى قال فيها ان الدولة بحاجة الى 12 مليار دولار فورا، كانت بعد خلع مبارك بأيام ليست بالكثيرة! فكيف احتاجت مصر لكل تلك الأموال فى لحظات بعد خلع مبارك؟ اما البنك المركزى فكانت التسريبات القادمة منه تقول اننا بحاجة الى 20 مليار دولار فورا، كان هذا فى ابريل من العام الماضى! ثم ان العسكر ادار الأقتصاد، فلا اقترض ولا اسقط الديون، واتجه الى السوق المحلى وزاحم القطاع الخاص فى الأقتراض من البنوك المحلية حتى شحت السيولة وارتفعت تكلفت الأنتاج بطريقة مطردة! والآن، بات علينا ان نقترض من الخارج بعد ان "نشفنا عروق" الداخل! الى متى نستطيع الأستمرار فى ظل هذه الأدارة؟