معتمر أمين كيف نتحدث عن وضع الدولة الأقتصادى مع مسؤولين، خرجوا علينا مرة تلوا الأخرى من نفس المصدر سواء فى رئاسة الوزراء، او المجلس العسكرى، او وزارة المالية او وزارة التعاون الدولى ثم قالوا فى كل مرة ان الدولة تواجه تحديات جسام فى الشؤون الأقتصادية واننا نواجه عجز لا مثيل له وان الدولة ستعجز خلال وقت قصير فى تدبير الحاجات الأساسية لشعبها! ثم يمر الوقت مرة تلو الآخرى دون ان يحدث شيئ، فكيف لنا ان نصدق المسؤولين! اما ان التصريحات غير مسؤولة وهى كذلك فى رأيي، لأن الضرر الواقع من تلك التصريحات التخويفية على الأقتصاد ومناخ الأستثمار والسياحة، اعظم بكثير من الحقيقة، هذا ان كانت هناك اى حقيقة! واما ان تكون التصريحات لغرض سياسي وفى هذه الحالة، فأن الفشل هو السمة الرئيسية لنتيجة هذه التصريحات! فمثلا نذكر فى مارس الماضى، تصريح شهير لأحمد شفيق اننا "سنأكل من لحمنا الحي خلال شهران" وها قد مر من الشهران قرابة العام ولم يحدث شيئ! ونذكر ان الجنزورى خرج علينا فى ديسمبر 2011 بمؤتمر صحفى يوحي بصورة قاتمة واننا لا نعرف من اين ندبر موارد للدولة ثم مع تجدد المظاهرات فى يناير 2012، خرج نفس الرجل واعلن زيادة المعاشات وبأثر رجعى! (هكذا) بالطبع لا ادعى ان أمور الأقتصاد على احسن ما يكون ولكنى ادعى عدة أمور: اولا، ان الأقتصاد المصري، فاق توقعات كل المراقبين والمحللين، ولم ينزلق الى ركن الأنكماش (بمعنى ان انتاج عام الثورة لم يقل عن انتاج الأعوام التى سبقته) وهذا معناه اننا بمقارنة بسيطة بدول سبقتنا الى ثورات مشابهه، نجد انه فى حين انكمش اقتصاد اندونيسيا بنسبة تفوق ال10% فى عام ثورتها فقد نمى اقتصاد بلدنا بنسبة تقارب ال1%! ولو كان هناك آدارة ثورية محترفة للأقتصاد تتبنى جوهر مطالب الجماهير التى خرجت تطالب بالتغير لأصبح من الممكن ان نصل الى نسبة اعلى من ذلك بكثير فى النمو الأقتصادى.. ثانيا، ان التصنيف الأتمانى الذى تتحفنا به مؤسسات امريكية مثل "موديز"، "استاندر اند بور"، و "فتش"، ليس منزه من كل الآغراض السياسية! التصنيف اساسا مبنى على مجموعة من الحسابات والمؤشرات عن وضع الدولة المالى والأقتصادى وهى متغيرة وليست ثابته! تخفيض التصنيف الأتمانى ليس بجديد علينا، فقد حدث هذا مرارا ايام مبارك، وللأنصاف يجب ان نقول ان رفع مصر فى التصنيف كذلك، حدث مرارا من قبل. الحكاية كلها ان هذه المؤسسات تتبنى قواعد علمية فى تحليل النظام الأقتصادى للدولة وعينها على مجموعة اشياء. منها مثلا، هل تستطيع الدولة ان تفى بألتزامتها وتدفع ما عليها فى آوانه؟ هل يستطيع اقتصادها ان يفرض الضرائب اللازمة من اجل استيفاء الأموال المطلوب من الدولة سدادها؟ هل قيادة الدولة مؤهلة لقيادة الشؤون الأقتصادية بكفأة؟ الأجابة على هذه الأسئلة وأخرى كثيرة يدخل فى سلسلة من المعادلات وتخرج منها مؤشرات تدل على جدارة الأقتصاد وتحسنه او ضعفه وبالتالى تآخذ تصنيف معين قد يتغير مع الوقت صعودا وهبوطا! هذه المؤسسات ليست على الحياد وانما هى مسيسة! ومنها من ساهم فى مشكلة اليونان الأقتصادية ومنها من ساهم فى مشكلة الرهن العقارى الأمريكي الذى تسبب فى اكبر ازمة مالية عالمية! كيف ساهموا فى ذلك؟ عن طريق اعطاء درجة اعلى من المفروض للأقتصاد اليوناني وبالتالى انهالت عليهم الأستثمارات، ولما جاء ميعاد تحصيلها، بات على اليونان الدفع او اعلان الأفلاس ومن ثم ظهر شبح الخروج من اليورو والأتحاد الأوروبى بسبب ضعف التصنيف.. بقى ان ننوه ان هذه المؤسسات عينها على امر واحد اساسى وهو، هل تستطيع الدولة ان تدير الديون التى ستحصل عليها ام لا؟ لاحظ اننا نتكلم عن آدارة! ثالثا، فلنفترض انك المسؤول عن الدولة، ثم كان عليك ان تتخذ قرارا فورى بالأقتراض من الخارج بسبب شح السيولة المتوافرة داخل البلد! ثم لم تأخذ هذه القرار! وكان من نتائجه تفاقم الوضع الأقتصادي وزيادة حدة الضغوط على الأسرة المصرية! السؤال هو، هل هناك قانون نحاسب به هذا المسؤول؟ وهل ينفع الحساب فى تخفيف حدة الضغوط الآن؟ الأجابة بالنفى فى الحالتان! شيء من هذا القبيل حدث فى النصف الثانى من سنة 2011. وقتها كان المسؤولين يقولون اننا بحاجة ماسة الى سيولة نقدية لتدوير العجلة الأقتصادية وكان الحل هو الذهاب الى صندوق النقد الدولى. ساعتها وبسبب الرفض الشعبي، فضل العسكر ان نقترض من الداخل بدلا من الخارج! قد يبدوا هذا امر حميد فى ظاهره، لكن انتظر حتى تعرف النتائج! عندما طرح الأمر، كان وزير المالية يتحدث عن اقتراض 12 مليار دولار وهذا مبلغ يوازى ثلث الديون الخارجية المصرية مجتمعة، وفى مقابله، لم يخرج علينا مسؤول ويقول لماذا نحن بحاجة لكل تلك الموال؟ وكيف ظهر الأحتياج فجأة لمثل هذا المبلغ؟ ثم تقلص المبلغ الى قرابة ال3 ميلار دولار! تم بالفعل اصدار سندات من وزارة المالية المصرية بنسبة فائدة عالية جدا تصل الى 14% وهو رقم كبير على الدولة ان تسدده بالمقارنة ب2.5% فائدة من صندوق النقد! اضف الى هذا، ان تكلفة التمويل زادت على القطاع الخاص (بمعنى ان الحصول على تمويل، يكلف الشركات فائدة عالية بسبب مزاحمة الدولة للشركات فى الأقتراض من نفس المصدر الداخلى) وهو امر يحد من نشاط الشركات التى اصبحت تواجه ارتفاع تكلفة التمويل من ناحية وركود السوق من ناحية اخرى! الآن القائمين على الأمر وجدوا انه لا بديل عن الأقتراض من الخارج، فرجعوا الى صندوق النقد ليقترضوا منه مرة اخرى (لاحظ ان البنك المركزى فشل فى تحصيل اذون حزانة ب8 مليار جنيه من اسبوعان وتحصل على 1.6 مليار فقط). لكن الصندوق عنده طلبات تمويل من دول اخرى كثيرة وعلينا الأنتظار فى الطابور! خلال وقفتنا فى الطابور، آخذت بعض الأزمات فى الأنفجار، منها مثلا شح البنزين، وامبوبة البوتجاز، ورغيف العيش وزيادة العجز فى الموازنة (يعني بنصرف اكثر ما بيدخلنا فلوس).. المدهش ان هذه الأزمات تقول ان الأقتصاد المصرى الذى كان متوقع له ان ينفجر منذ مدة طويلة، مازال يعاني "فقط" ولم يصل الى حد "الأنفجار". لكن هذه ليست الصورة كلها. لكى نعرف لماذا لا ينفجر الأقتصاد وجب علينا ان نعرف ان المجلس العسكرى يتنازل عن آجزاء من مخصصات الجيش (مليارات) من اجل مساعدة الدولة على تجاوز محنتها الأقتصادية وان بعض من هذه المخصصات دفع لشراء حمولات مراكب محملة بالوقود فى عرض البحر، وبالتالى دفعنا فيها ثمن اكثر من الطبيعي (للشراء الفورى) لحل ازمة مستحكمة وعلى وشك الأنفجار. لعلى لا اتجاوز واضيف، ان آخر مرة قرأت فيها كلمة تقليل حجم مخصاصات الجيش كان فى ميزانية 66-1967.. هذا مع العلم ان مرتبات الضباط تم رفعها من بداية الثورة او بعدها بقليل. لا اريد ان اطيل على القارئ الكريم ولكن هناك امور أخرى كثيرة عن الأقتصاد وادارته تجعلنا نتشكك فى جدارة القائمين على امره خاصة انهم لا بيتكرون اى حلول ولا يتسع خيالهم ولا يريدوا ان يستمعوا لإحد! والنتيجة ان مرونة الأقتصاد وشراينه آخذة فى التيبوس يوما بعد يوم.. السؤال، هل كل هذا بسبب سوء التدبير؟ ام انعدام الكفأة؟ ام من حسنهما؟ وكم من الوقت سنستمر هكذا؟ اين الحقيقة؟