بحثت كثيرًا عن هذا الكتاب ولم أجده، وذات يوم اتصل بي مؤلفه أستاذي هاشم النحاس يسألني عما إذا كنت قد قرأته فقلت له للأسف لا فقال إن ثمة طبعة ثانية قد صدرت منه وإنه يود أن يهديني نسخة منها، وكانت سعادتي بالغة بالطبع فها أنا أخيرا سوف أتمكن من قراءة (يوميات فيلم القاهرة 30) حيث قامت الهيئة العامة للكتاب بإعادة طبعه ضمن سلسلة نجيب محفوظ وهي التي تعني بنشر دراسات عن المشروع الروائي لأديبنا الكبير، بما في ذلك الأشكال الفنية المختلفة التي ظهرت فيها الروايات والقصص.. في الحقيقة أنا لا أنوي استعراض الكتاب رغم سهولة ذلك لكنني أريد دعوة كل من يرغب في بلورة الكثير من مقومات الثقافة السينمائية في رأسه أن يقرأه، فهو بالفعل حالة خاصة وممتعة جدا من حالات الكتابة عن السينما وليس فقط عن الأفلام لأنه يقف في منطقة شديدة الخصوصية والغموض علي غير المتخصصين، وهي كواليس خلق هذا الفن من خلال متابعة تصوير أحد أهم إنتاجاته - عربيًا - لكنه في نفس الوقت ومن داخل هذه (الحياة الأخري) يلاحظ ويرصد ويصف ويوصف ويشرح وبتابع يومًا بيوم مراحل عملية (الخلق) المختلفة عبر نبرة لغوية شديدة السلاسة ومن واقع خلفية ثقافية سينمائية وعلمية واسعة وبأسلوب يجعل المتخصص مفهومًا وحيًا، ولا أجد هنا أي معني لإعادة صياغة ما كتبه بالفعل أحد الآباء الروحيين لجيل النحاس وهو أحمد كامل مرسي في مقدمته للطبعة الأولي عندما لخص قدرة ومنهج المؤلف في فقرة واحدة قائلا (إن مهمة الكتاب الذي يتعرض للكتابة عن فن من الفنون هي الأمانة والصدق في نقل المحسوس والمنظور إلي عدد كبير من الجمهور، ولا يتحقق هذا علي الوجه الأكمل إلا إذا توافرت فيه عدة صفات مثل قوة الملاحظة وبساطة التعبير والإلمام بمراحل التجربة الفنية والإحساس بالعلاقات الإنسانية) وقد توقفت عند هذه الفقرة لأنها مفتاح الاستمتاع والتذوق الحقيقي لتجربة اليوميات، فليست الفكرة فقط أنه أتيح للمؤلف أن يتابع مراحل تنفيذ الفيلم قبل وأثناء وبعد التصوير ساعة بساعة وتفصيلة تفصيلة بل كيف تمكن من أن يخلق من هذه المادة (التسجيلية) أو لنقل كيف نفخ فيها روحًا حية هي جزء من كل (لأنها رصد لعملية صناعة الفيلم فهي جزء منه لأنه السبب في وجودها) وهي كل قائم بذاته لأنها تحتوي علي عملية شرح وتوصيف وتحليل لمراحل العملية الفيلمية والتي تكاد تشترك فيها كل الأفلام في كل الدنيا وليس من خلال نظريات عامة أو ملامح خارجية بل من خلال تجربة بدماء حقيقية وأعصاب فنية نابضة سواء علي مستوي الكم المعلوماتي أو التبسيط الوصفي والذي يجعل كل من يقرأ هذا الكتاب علي درجة لا بأس بها من الإلمام بعملية صناعة الأفلام السينمائية.. بل إن الكثير من مصطلحات التيترات التي لا يهتم أحد بمتابعتها نظرًا لانغلاق معانيها عليهم يمكن أن تصبح أكثر وضوحًا وفهمًا بعد قراءة هذا الكتاب.. فتحية إلي أستاذنا هاشم النحاس علي هذه التجربة (التي لم تذبل أو تصفر أوراقها) وتحية لهذا الجيل من السينمائيين الذين كانت تعني لهم مثل هذه التجارب شيئًا ذا قيمة قبل أن تتحول كواليس الأفلام في أيامنا هذه إلي حركات سخيفة من طاقم العمل أو تعليقات تافهة من الممثلين دون وعي حقيقي لما تعنيه تجربة رصد الكواليس أو الاستفادة منها.