هناك أشياء في مصر إذا حدثت يتعجب لها الإنسان ولا يقبلها، وكان منها أن يتم تعيين الدكتور أحمد كمال أبو المجد في مجلس قومي... قيل إنه لحماية حقوق الإنسان في مصر... ذلك أن المجالس القومية في مصر هي مجالس لزوم الديكور الوطني، ويأتي علي رأس هذا الديكور ما يسمي بالمجلس القومي لحقوق الإنسان... وقد تم إنشاء هذا المجلس بعد أن تبوأت مصر مقعداً متقدماً في الدول التي تحتقر حقوق الإنسان، ذلك أننا والحمد لله -الذي لا يحمد علي مكروه سواه - عندنا كل أنواع انتهاكات حقوق الإنسان صوت وصورة من أول الصعق بالكهرباء وانتهاء بقتل السجين بالتعذيب ثم الادعاء بانتحاره... وهي الطريقة المشهورة في مصر فكلما مات إنسان تحت وطأة التعذيب... قامت الدولة بشراء ثلاث «ملايات» للسرير ثم تقوم بربط الملاية الأولي في شباك الزنزانة والثانية في رقبة السجين المتوفي إلي رحمة الله أما الثالثة فلكي تضعها علي سرير السجين لزوم الوجاهة... ثم تغلق الدولة باب الزنزانة... ليعود إليها الشاويش في الصباح... «وهات يا عياط »... مع قليل من الصراخ وهو يردد باكياً... «الحقونا... السجين شنق نفسه»... وهكذا تمر المسرحية وتحفظ التحقيقات ويتم قيد الواقعة «انتحار»... والتعذيب في مصر ليس له قاضٍ يحكم فيه ولا نيابة تحقق في جرائمه ولذلك فنحن نقول للمسجون عند خروجه من السجن «حمداً لله علي السلامة»، وعن الاعتقالات في مصر... فحدث ولا حرج... فباب الاعتقال يظل مفتوحاً حتي النهاية... وهذه النهاية هي إما نهاية عمر المعتقل أو نهاية شهوة الدولة في احتجاز إنسان لم يتم اتهامه بشيء، وفي مجلس الدولة يتم الحكم بتعويض السجناء عن مدد اعتقالهم والتي تصل أحياناً إلي عشرين عاماً متصلة... وفي إحدي القضايا تقابلت مع المرحوم اللواء زكي بدر وزير الداخلية الأسبق في مجلس الشعب عام 1989... وقلت له وأنا في حالة فخر بالقضاء المصري حينما تم الحكم ببراءة مجموعة من شباب منطقة «عين شمس» من تهمه تكوين تنظيم يهدد أمن وسلامة المجتمع فقلت له: «إن القضاء قد قضي ببراءة جميع المتهمين في قضيه عين شمس يا معالي الوزير..» فنظر إلي رحمه الله نظرة... سابت لها مفاصلي وهو يقول «هذا هو حكم القضاء... مش تستني حكم القدر» وبالفعل استمر اعتقال من قضي القضاء ببراءتهم أكثر من ثمانية عشر عاماً متصلة وخرج آخرهم بعد أن حصل من داخل السجن علي الثانوية العامة ثم ليسانس الحقوق ثم الماجستير في القانون... والحمد لله إنه خرج قبل مناقشة رسالة الدكتوراه... أما عن حقوق المواطن العادي... فالسادة القراء هم أدري بها مني، أما الذي يجهل غلاوة المواطن المصري عند بلده فعليه أن يذهب إلي أي قسم ليري بنفسه ذلك «الحب الحقيقي» مترجماً علي قفاه أو مكتوباً في شلوت أرض...أرض من ماركة «شد حيلك» فيخرج المواطن من القسم وهو يغني أغنية «ماشربتش من نيلها». ومع ذلك أصرت حكومة مصر أن تخترع جهازاً قومياً لحقوق الإنسان... تنفق فيه علي الموظفين والمطبوعات والسفريات والاتصالات وكتابة التقارير... وتضع له ميزانية تكفي لحل مشكلة الإسكان في جمهورية مصر العربية... وإذا ما جاءت لجنة دولية لبحث أمور حقوق الإنسان فإن الأعضاء يرتدون «البدلة» ويمسكون الملفات ويحملون «الريكورد» المسجل عليه عبارة فحواها «لقد خطت مصر خطوات واسعة في مجال حقوق الإنسان»، أما التقارير فيتم رفعها إلي السادة منتهكي حقوق الإنسان في الدولة تمهيداً لرميها في الزبالة... وأخيراً فلي كلمة للدكتور العظيم وصاحب التاريخ المشرف «أبوالمجد» أسوق فيها التهاني لسيادته علي خروجه سالماً من هذه المسرحية مع اعتقادي بأنه ربما يكون سبب خروجه أنه دافع عن حقوق الإنسان ونسي ولو للحظة أن المجلس القومي لحقوق الإنسان ليس من وظيفته الدفاع عن حقوق الإنسان... وعلي رأي أم كلثوم...وأهي غلطة ومش حتعود... وبمناسبة مجلس حقوق الإنسان الذي لا يدافع عن حقوق الإنسان يروي أن مواطناً مصرياً ذهب إلي النجار غاضباً وهو يشكو أن الكرسي الجديد الذي صنعه له «النجار» قد تفتت إلي مائة قطعة... فنظر إليه النجار في برود ثم قال: «لازم سيادتك قعدت عليه» وعجبي.