هذا الحديث يتناول وسائل معاصرة لحماية الانسان وحقوقه هي الأمبودسمان, مجالس حقوق الانسان, المواطنة, لمن طلبوا المزيد يمكن الاطلاع علي كتابنا الامبودسمان علي أي حال نستكمل حديثنا عن مجالس حقوق الانسان. وهو النظام الذي نشأ في رحاب الاممالمتحدة ثم استقر وانتشر بعد رحلة نشير إلي معالمها. * نوقشت مسألة مؤسسات حقوق الانسان الوطنية للمرة الأولي في المجلس الاقتصادي والاجتماعي سنة1946 حيث دعا المجلس الدولي إلي النظر في انشاء ما أطلق عليه حينئذ مجموعات اعلامية أو لجان محلية لحقوق الانسان من أجل التعاون معها في تعزيز أعمال لجنة حقوق الانسان. * عند اعتماد الاعلان العالمي لحقوق الانسان وضعت الأممالمتحدة استراتيجية شاملة اكتسبت عملية وضع المعايير في مجال حقوق الانسان أهمية خلال الستينات والسبعينات, وفي1978 قررت لجنة حقوق الانسان تنظيم حلقة كمصدر تستقي منه حكومة البلد وشعبه المعلومات عن حقوق الانسان, تساعد في تثقيف الرأي العام وفي تعزيز الوعي, تقدم المشورة, تدرس التشريعات والاحكام القضائية والاجراءات الادارية وتؤدي أي وظيفة أخري تكلفها بها الحكومة, وطوال الثمانينات صدر عدد من المواثيق والاتفاقيات تؤكد حقوق الانسان وحمايتها. * خلال التسعينات احتلت قضية المؤسسات الوطنية مكانا متميزا واهتماما متزايدا في عالم حقوق الانسان, وعقدت حلقة دراسية مع المؤسسات الوطنية والاقليمية المشتغلة بتعزيز حقوق الانسان وحمايتها لدراسة أنماط التعاون بين المؤسسات الوطنية والمنظمات الدولية مثل الأممالمتحدة ووكالاتها وتحديد طرق زيادة الفاعلية, واتفقت علي المباديء التي ترتبط بمؤسسات حقوق الانسان وهي المباديء التي وافقت عليها لجنة حقوق الانسان في قرارها1992/54 ثم أقرتها الجمعية العامة في قرارها134/48 وأصبحت تعرف فيما بعد باسم مباديء باريسParisPrinciples. * أعقب صدور تلك المبادئ انعقاد عدد من الاجتماعات المهمة في تونس, جاكارتا وسيدني وأثناء التحضير لعقد المؤتمر العالمي لحقوق الانسان1993 تقرر عقد اجتماع مواز للمؤسسات الوطنية ثم جاء اعلان وبرنامج عمل فيينا الذي اعتمده المؤتمر العالمي لحقوق الانسان سنة1993. * بعد هذه الرحلة الطويلة, وفي20 ديسمبر1993 صدر قرار الاممالمتحدة, رقم134/48 عن المؤسسات الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الانسان الذي يدعو الدول الاعضاء إلي انشاء المجالس الوطنية ومنحها ولاية واسعة مع الالتزام بمباديء باريس للمزيد يمكن الاطلاع علي كتابنا المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان( المجلس الأعلي للثقافة). *** كل ذلك يبين أنه رغم تداخل الاختصاصات هناك اختلافات بين الأمبودسمان والمجالس الوطنية لحقوق الانسان. نشأ الأمبودسمان في برلمان السويد سنة1809 بينما مجال حقوق الانسان يعد من مبادرات الاممالمتحدة وبدأت مناقشته سنة1946 وصدر قرار المطالبة به سنة1993, وبذلك يتمتع الأمبودسمان بسنوات أطول من الخبرة والتطور. ليس هناك نصوص محددة ومعاهدات أو مواثيق أو اعلانات دولية تحدد الحقوق التي يحميها الأمبودسمان بينما المجالس يجب عليها احترام النصوص الدولية إلي جانب القوانين الوطنية. إنشاء الأمبودسمان ليس التزاما علي الدول بينما مجالس حقوق الانسان الدول مطالبة بإنشائها حسب توقيعها علي قرار الاممالمتحدة. المفوض البرلماني يرتبط بالبرلمان.. ولكنه نظام يمكن أن تنشئه أي جهة أو مؤسسة ومن المستبعد أن تقوم المؤسسات بانشاء مجالس خاصة لحقوق الانسان وان كانت الادارات الحكومية تنشئ ادارات لهذا وهناك جمعيات أهلية تسعي لحماية حقوق الانسان لكنها كلها ليست مجالس وطنية تحاسب الدول علي أدائها. مجلس حقوق الانسان يمكن ان ينص عليه في الدستور أو ينشأ من القيادة السياسية أو الجهة التشريعية. يرتبط بنصوص دولية عليه احترامها وحقوق عليه حمايتها والدفاع عنها وإلا أمكن محاسبته دوليا. هناك تنظيم دولي يجمع بين هذه المجالس ينضم إليه من تتوفر له شروط معينة, صحيح أن هناك جمعيات أوتنظيمات تجمع بين نظم الأمبودسمان اقليميا أو دوليا وقد تتعاون مع المجالس الوطنية لحقوق الانسان أو تتداخل معها في الاختصاص لكن وجود أحدها لا يغني عن وجود الآخر. الأمبودسمان نظام شبيه بديوان المظالم الذي يهتم بالشكاوي ونشأ أساسا لرفع الظلم ودراسة حماية الافراد ومحاسبة السلطة التنفيذية ثم اتسع اختصاصه ليشمل غير ذلك بينما الشكاوي تعتبر جزءا فقط من عمل المجلس الوطني ولم تنشأ لحل المشاكل الفردية عن طريق الشكوي إنما عليها دراسة الشكاوي والتعرف عما اذا كانت نمطا مستمرا يستدعي تصحيحا تشريعيا أو تنفيذيا. *** في عام1993 قام سكرتير عام الاممالمتحدة بانشاء مجلس أمناء لبرامج حقوق الانسان والتعاون التقني مكون من10 أعضاء تم اختيارهم حسب معايير دقيقة. قام ذلك المجلس بتنفيذ عدد كبير من برامج التعاون التقني في مجال حماية الانسان وحقوقه في جميع مراحل الحياة. واستعان المجلس بعدد من الخبراء المتخصصين كان بينهم البروفسور برديكان الذي يطلق عليه أبو المجالس الوطنية. كان من أبرز انجازات مجلس الأمناء مساعدة عدد كبير من الدول في القارات الخمس علي انشاء مجالس وطنية لحقوق الانسان مع القيام ببرامج التوعية بالحقوق ومسئوليات المجلس. وقد كان لنا شرف انتخابنا رئيسا لهذا المجلس ثلاث دورات, وقد حاولنا خلالها مع مجموعة من المصريين المستنيرين نشر الدعوة بضرورة انشاء مجلس حقوق الانسان في مصر منهم الدكاترة: فؤاد رياض, محمد فايق, مني ذو الفقار, السفير هاني خلاف, الأستاذ حافظ أبو سعدة.. وغيرهم. وفي عام2003 أنشئ المجلس القومي لحقوق الانسان في مصر بمبادرة من القيادة السياسية وأعطي صلاحيات واسعة وأختير لرئاسته شخصية دولية لها مكانتها مما أعطاه دفعة قوية منذ البداية. يقوم المجلس المصري بجهد كبير, حقق الكثير, تحسب لها انجازات متعددة وليس هذا مجال تقييمه. أما الأمبودسمان فمازالت البحوث والدراسات جارية لانشاء جهاز أو مكتب أمبودسمان مصري..وهناك تجربة وحيدة هي أمبودسمان المرأة الذي أعلنت عن إنشائه السيدة سوزان مبارك في أولي كلماتها بانشاء المجلس القومي للمرأة, تعاقب علي ادارته ثلاث مديرات جعلن منه تنظيما يحمي المرأة وتلوذ به الأسرة وأصبح محل اعجاب عدد من ضيوف مصر.. وهكذا فان المرأة المصرية رغم ما يقال عن ردة أصابتها تظل رائدة.