في لقطات شديدة الدلالة يقدم «داود عبدالسيد» بطل الفيلم «يحيي» الذي أدي دوره «آسر ياسين» وهو يصطاد السمك بالسنارة يحصل علي رزق قليل العدد لكنه حلال بينما الحاج «هاشم» صلاح عبدالله ينزل إلي نفس البحر ليصطاد السمك بالديناميت ويحصد ربما 20 كيلو في الضربة الواحدة.. يغتال الحياة ليكسب هو علي جثث السمك والبشر!! أري «داود عبدالسيد» مثل «يحيي» في علاقته بالسينما فهو لا يغتصب لا الفكرة ولا السيناريو ولا يبحث عن معادلات خارج النص ليقدم مشروعه السينمائي.. يضع كل شحنته الإبداعية في أعماقه تنضج علي النيران الهادئة للزمن وتخرج بعد ذلك علي الورق تنتظر أن تتنفس في مناخ سينمائي خال من أوكسجين الإبداع ولكن أفكاره أبداً لا تختنق وأبداً لا يفقد طموحه ولا يرفع راية الاستسلام المطلق لما يفرضه السوق.. «داود» تخرج من معهد السينما قبل 43 عاماً الدفعة الثالثة التي واجهت الحياة في عام النكسة 67 عدد أفلام «داود» 7 أفلام روائية فقط لا غير.. من خلال هذه الأفلام صنع عالمًا خاصًا به مع أول أفلامه «الصعاليك» وتتابعت بعد ذلك «الكيت كات»، «أرض الخوف» وصولاً إلي «رسائل البحر».. تستطيع أن تقرأ حال «داود» علي الخريطة وهو يحمل سنارته في خضم ما يجري شركات إنتاج لها أجندة تجارية ونجوم لهم شروط متعسفة بينما هو لا يمكن سوي أن يكون نفسه.. وأحياناً أسأل نفسي هل لو أن المناخ الفني صحي أكثر كان من الممكن أن يصبح إنتاج «داود» أفضل وأغزر.. لدي قناعة أن الله عندما يخلق الموهبة يمنحها أيضاً القدرة علي المقاومة تنبت لها أسلحة لحمايتها حتي تتمكن من تقديم رسائل إبداعية تحملها في أعماقها.. المبدعون الكبار أمثال «داود» لا يمكن سوي أن نراهم باعتبارهم حاملي رسائل فنية دورهم هو توصيلها إلي الناس.. فيلمه قبل الأخير «مواطن ومخبر وحرامي» قدمه قبل 9 سنوات ولكن رغم كل ذلك تأتي الرسالة في موعدها تماماً وبلا تأخير حتي لو تغيرت اختياراته للأبطال وللقضايا التي يتناولها.. تتابع علي فيلم «رسائل البحر» أسماء أكثر بريقاً وموهبة وتاريخ وحرفية كان المرشحون الراحل العظيم «أحمد زكي» وبطل المصارعة العالمي «كرم جابر» والنجمة «هيفاء وهبي» ورغم ذلك فإن النجاح ليس بتوفر عدد من الكبار المشاهير في العمل الفني ولكن بتفاعل كل العناصر وهكذا جاء «آسر» و«بسمة» و«لطفي» تناغموا في حالة من الكيميائية نادرة الحدوث.. أنا موقن تماماً أن ما نراه معوقات ظاهرية تثبت الأيام أنها تلعب لصالح العمل الفني والفنان.. وهكذا انتصر «داود» حامل السنارة علي مفجري الديناميت!!