أميرة .. عروس شهداء الإسكندرية .. وردة لتوها تتفتح للحياة .. جمال الدنيا فيها .. عمرها 16 سنة .. رأت من شرفتها الآلاف في الشوارع يهتفون باسم مصر وفي أياديهم العلم ، فلفًت شعرها وارتدت بسرعة حجابها ووجدت نفسها تمشي وسط هذا الهدير من شارع بورسعيد الى ميدان القائد ابراهيم في الإسكندرية .. لم تكن أميرة تدرك شيئا بعينه غير ان إحساسها جعلها تعرف ان البلد في طريقها الى الخلاص.. فليكن لها شرف المشاركة في هذه التظاهرة النبيلة ، ثم وهى واقفة سقط بجوارها شاب مضرجا في دمائه .. أذهلها الموقف وأفجعها ، غير أنه ولًد فيها إصرارا عجيبا على المواصلة ، فحملت العلم الذي كان بيده ، وقد تزيًن وازداد تألقا بدمائه ، وصعدت على كتف أحد الشبان " الرجالة " وكأنها تسهًل للقناص هدفه وتتعجل هدية السماء.. وراحت تهتف لمصرها، فجاءتها رصاصة اخترقت رأسها فتناثرت دماؤها واختلطت بدم من سبقها من دقائق، فاكتسى العلم كله باللون الأحمر. .. عن أميرة عروس شهداء الإسكندرية أتحدث .. وما بدأت به ، كتبته قبلا عنها في مقال سابق كان عنوانه " كعك العيد " ، والحقيقة لم أكن أعرفها ولم تكن الأضواء مسلطة عليها أيام الثورة الأولى ، فلا هي من حركة 6 ابريل ولا تنتمي لأى جماعة .. فقط ، كانت مصرية ، وهذا يكفيها. صغيرة كانت .. وجميلة كانت ، وقبل الخروج يوم 25 يناير الماضي لم تكن تعرف شيئا بعينه أو لنقل لم يكن يؤرقها شيء بعينه .. 16 سنة.. لم ينضج وعيها بعد .. إلا أن الغريب فيها كما قالت عنها أمها ، رغم السن الصغير كانت اهتماماتها أكبر .. تحرص على متابعة البرامج الجادة وتحب بصفة خاصة ريم ماجد ويسري فودة .. حينما كانت ترى آختها الكبيرة تشاهد برنامج " مصر النهارده " تقول لها : إيه اللي انتي بتتفرجي عليه ده .. المذيعين دول متأجرين وبياخدوا فلوس عشان يقولوا اللي الحكومة عايزاه يوصل للناس. وترد عليها أختها التي كانت تعشقها : وايش عرفك انت يا " مفعوصة " بالكلام ده .. ده انت لسه مطلعتيش م البيضة ، وتقولي الحكومة واللي عايزاه يوصل وما يوصلش .. تصدقي إنك " أروبة ". ولأنها ابنة الإسكندرية ، هالها ما حدث لخالد سعيد .. بل أن حكايته أصابتها باكتئاب شديد .. وربما هو ، وهو وحده الذي حرّكها يوم أن رأت من شرفتها هذه الجموع الغفيرة في شارع بور سعيد .. وكانت قد سمعت عن الصفحة الخاصة به على الفيسبوك .. لحظتها تذكرت المشهد الأليم الذي كان يملأ شاشات الفضائيات .. " خالد سعيد بابتسامته الساحرة البشوشة ، وبجوار الصورة واحد تاني خالص .. هو خالد سعيد ، ولكن بعد ان قتلوه أو بالأحرى دمّروه .. لحظتها ودون تفكير أو ترتيب ، ارتدت ملابسها ونزلت وأختها تسألها : رايحة فين يا أميرة ؟ فردت عليها : رايحة لخالد سعيد .. وأكملت : رايحة أجيب حقه .. وطارت على السلالم بخفة عجيبة ، كأنها فراشة ، ومشت في المظاهرة ، وسمعت شعارا زلّزلها : يسقط يسقط حسني مبارك .. والشعب يريد إسقاط النظام .. كلام كبير لم تكن تدركه غير أنها أحسته ، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون مبارك وحده هو اللي صح ، وكل هذه الجموع غلط .. فراحت تردد هي الأخرى الشعارات بحماس ملتهب لفت نظر شاب بجوارها يكبرها بأعوام كثيرة ، فنظر إليها نظرة إعجاب وفرحة .. وما هي إلا لحظات وسقط بجوارها مقتولا ، وبعين تفيض دمعاً ، التقطت العلم من بين يديه وأكملت هي ، لتلحق به بعد أقل من 10 دقائق. خرجت أميرة ولم تعد ، وأطلقوا عليها ، لعمرها الصغير ، عروس شهداء الإسكندرية .. ولعلها الآن أجمل عرائس الجنة.