يثير الأداء الاقتصادي الجيد والتقدم التكنولوجي والعلمي والتحولات السياسية والاجتماعية للصين والهند فى آسيا، مع تراجع الولاياتالمتحدةالأمريكية تساؤلات محيرة وصعبة، حول ما يمكن أن نسميه المعضلة الباكستانية الهندية الصعبة، التي يؤثر استمرارها على الوضع فى عدة دول بدءًا من أفغانستان وبنجلاديش وسريلانكا ونيبال، إلى التأثير على الوضع الآسيوي بشكل عام. التحولات الهندية الصينية يصاحبها تراجع للولايات المتحدةالأمريكية، اقتصاديًا وسياسيًا، هذا التراجع يحد من دور الولاياتالمتحدة كلاعب فى الساحة الأسيوية، لذا فإن دورها سيتحول إلى فاعل خلفي فى الأحداث طبقا لمعطيات مصالح كل طرف معها. فى حين سيؤدى هذا مع نزعة كشميرية هندية إلى الجنوح نحو تسوية سياسية للوضع فى كشمير أكبر مشاكل العلاقات الباكستانية الهندية، على نحو يعطى كشمير حكم ذاتي موسع يرغب فيه الآن قطاع عريض من الكشميريين للاستفادة من صعود الهند وانتعاشها، وهو ما أدركه السياسيين فى كشمير الهندية مؤخرا بازدهار السياحة لكشمير وانتعاشها اقتصاديا، مع مطالبات كشميرية للهند بضرورة تسوية صفحة الماضي عبر المصارحة فى قضايا حساسة كالمقابر الجماعية، هذا كله سيدفع باكستان نحو تسوية جزء من صراعها مع الهند بصورة سياسية بعيدًا عن التوتر المستمر على الحدود. وفى حالة انسحاب الولاياتالمتحدة من أفغانستان ستستغني عن خطوط الإمداد اللوجستية عبر الأراضي الباكستانية، لقواتها فى أفغانستان، كما أن باكستان بالنسبة للولايات المتحدة ولعقود أداة توازن قوى مع روسيا فى ظل تحالفها مع الهند، ثم أداة لشن الحروب أو للتجسس على الأراضي المحيطة بها، كل هذا عزز من دور الجيش الباكستاني والمخابرات الباكستانية فى الدولة الباكستانية وفى تلقى المساعدات الأمريكية، ولا شك أن تراجع دور الولاياتالمتحدة فى باكستان سيدفعها إلى الدخول فى لعبة تبادل مصالح مع الهند على حساب الولاياتالمتحدة أو الدخول فى تحالف مع الصين ضد الهند، هذا كله سيعتمد على المصالح الباكستانية وصراعات القوى داخل باكستان، التي تتجه الآن نحو تساؤلات صعبة خلال السنوات القادمة، هل يبقى الجيش قوة فاعلة فى الداخل وفى السياسة الخارجية وفى مصالح باكستان، أم أن قوى المجتمع المدني ستخلص باكستان من القوى التقليدية متأثرة بالحالة المصرية فى الرغبة الجامحة للشعب فى التغيير نحو الأفضل، فالقوى التقليدية فى باكستان ألفت استمرار الوضع على ما هو عليه، قبائل عرقية تقليدية، كبار ملاك للأراضي، رأسماليين يبحثون عن مصالحهم، دون تحقيق تطلعات بناء الأمة الباكستانية على التعليم والعدالة وتوزيع الثروة...الخ. هنا تبرز معضلة الإسلاميين فى باكستان سواء كانوا معتدلين أو متشددين حيث أن موقفهم سيكون أمام خيارات صعبة إما الجنوح نحو إعادة تجديد خطابهم ومنهجهم بما يلائم التساؤلات الصعبة داخل باكستان، أو إدخال البلاد فى نفق مظلم، هو الحرب الأهلية، أم أن الإسلاميين سيدركون أن لعبة المصالح والسياسة على غرار التجربة التركية، ستدفعهم لتسوية علاقاتهم مع العسكر ثم بناء دولة باكستانية مختلفة، تقوم على التحالف مع الهند ومسلميها المندمجين فى المجتمع والدولة الهندية، لتحقيق مصالح إقليمية أوسع، باعتبار أن المحيط الهندي الباكستاني قوة يمكن أن يحسب لها حسابات كثيرة فى آسيا. أننا الآن أمام المعضلة الأسيوية الصعبة التي تعكس تحول العالم نحو قوى متعددة الأطراف خلال السنوات القادمة، مع تراجع الوزن النسبي للولايات المتحدةالأمريكية وأوروبا بالتبعية، لتصبح آسيا هي الفاعل الموازى فى السياسة الدولية، إلى جانب تناظر نفس الحالة لكن بنسبة أقل فى الفعل الدولي مع كل من البرازيل فى أمريكا الجنوبية وروسيا على الجانبين الأوروبي والآسيوي، لكن يظل الفعل الإقليمي قوى لكل من البرازيل وروسيا كل فى محيطه.