قبل كل شيء.. أتمني الشفاء للسيد كمال الشاذلي. قفزت صورته أمامي أكثر من مرة في أيام قليلة. مرة عندما رأيت مغسلة الوحوش تحاول اصطياد محمد إبراهيم سليمان. وتذكرت أن دورة المغسلة مع الشاذلي كانت بلا صوت ولا مآسٍ. دورة هادئة انتقل فيها النائب المخضرم إلي الظل دون ضجة كبري. والمرة الثانية حينما ظهر السيد صفوت الشريف زميله السابق في نادي الخالدين وأطلق تصريحات للاطمئنان علي صحته فيما يبدو أنه رد علي شائعات سياسية حول الخلافات في الحزب الوطني. المرة الثالثة والأهم عندما حكي لي صديقي الفنان التشكيلي المعروف عادل السيوي عن ريجان الذي بدأ حياته بعد السبعين حين حكم أمريكا وغيَّر العالم بأفكار وسياسات ...وانتهي تقريبا عندما غادر السلطة، وأصيب بمرض الزهايمر وكان يختبئ في الدولاب بالساعات وعندما يخرجونه يظل يبكي. في مصر هذه الحالة موجودة بقوة.. وتقريبا كل الجالسين علي السلطة بدأوا حياتهم في سن الشيخوخة...لا السيد صفوت الشريف أو الدكتور فتحي سرور أو حتي الرئيس مبارك عرفوا متع الحياة قبل السن التي يعتقد فيها الناس أن عليهم الاستعداد للوداع. الحياة ليس لها مواعيد...هذه الحكمة من حوارنا أنا وعادل السيوي. و استكمالاً للحكمة قفز كمال الشاذلي إلي الحكاية. سألت : هل الانهيار الصحي للعضو المخضرم بدأ مع رحيله عن السلطة؟ هل يمكن أن يكون الرحيل عن السلطة هو انسحاب للحياة كلها ولهذا يدافع مبارك ورجاله الكبار عن الخلود، لأن السلطة تعني بالنسبة إليهم حياة؟ عندما أبعد كمال الشاذلي لم يصدق أحد.. لم يصدقوا أن كمال الشاذلي انتهي، كان أسطورة له سبعة أرواح. كلما مات في موقعة مع الحرس الجديد، عاد وبقوة أكبر. هو خبرة «نادرة» من الصعب تجهيز بديلها بين يوم وليلة. والتصميم الأساسي للنظام يعتمد علي الشاذلي بدرجة لا يمكن تخيلها. يحمي نفسه بملفات جاهزة للجميع. ويدير النواب بمنطق القطيع يشد ويرخي، وأخيرا هو يعرف خبايا ودهاليز كل موقع في مصر. لديه خريطة الأنصار ومناطق الضعف. صحيح أنها قديمة لم تعد تصلح كما كانت. لكنها الوحيدة علي العموم. وهذا سر قوته التي لم يظن أحد أنها ستذهب هكذا فجأة.. كمال الشاذلي تلقي الضربة علي طريقته. هو مصنف في قائمة أقدم أعضاء البرلمان في العالم. هو نائب منذ أكثر من 44 عاما. عابر للعصور. هو في خدمة السلطة مادامت سلطة. ولاء علي الطريقة الريفية. تابع وليس سياسياً. بارع في تكوين جيوش الموالين والمرتزقة وفق عقيدة الإيمان برأس النظام وحكمته.. وأنه القادر علي تحقيق المصلحة. قال عندما أبُعْد من الوزارة إن الرئيس رأي أنه يحتاجه في المجالس القومية المتخصصة وهذا يعني أنه يريد أن يحدث بها تطويراً (وهو كلام قاله من قبل صفوت الشريف عندما أبعد عن وزارة الإعلام التي ظل علي رأسها 22 عاما). «أنا تحت أمر الرئيس» هكذا قال الشاذلي ليبرهن علي أنه المنتمي بإخلاص لنظام يعتمد علي ثقافة التبعية الريفية. الشاذلي هو رمز يمكن تحليله لمعرفة مسيرة نظام العسكرتاريا من عبد الناصر إلي مبارك. غير بدلة السفاري الشهيرة في أوساط أعضاء الاتحاد الاشتراكي... وأصبح في بدلته الجديدة أقرب إلي أغنياء الانفتاح بالكروش المنفوخة وملامح الثروات المفاجئة. كمال الشاذلي ابن الحياة التي تبدأ في العمر المفترض لتوديع الحياة. ماذ فعلت به الحياة؟ وماذا فعلت بنا نحن المتفرجين علي صراع زملاء الشاذلي من أجل البقاء.. هؤلاء الذين لم يعرفوا الحياة إلا متأخراً ويتشبثون بها إلي درجة تقلق الملايين...؟