ورد فى كثير من سور القرآن الكريم ما يحب الله تبارك وتعالى وما لا يحب ، والحب فى اللغة هو نقيض البغض ، وهو الوداد والمحبة ، فعندما نقرأ من آيات القرآن ما يقرر لنا ما يحبه الله تبارك وتعالى وما لا يحب ؛ أى ما يبغض ويكره ؛ فمن المؤكد أننا مأمورون بحب ما يحب الله ، ومنهيون بالطبع عن اتباع أو عمل أو قول ما يبغضه الله ولا يحبه . فالله تبارك وتعالى يحب سبع مجموعات من المؤمنين ، ولا يحب ثلاث عشرة مجموعة وتصرفا من الناس على عمومهم ، والآيات التى ورد فيها ما يحب الله هى: ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) – البقرة 195 ، ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) – البقرة 222 ( فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) – آل عمران 76 ، ( وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) – آل عمران 146 ، ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) – آل عمران ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ ) – الصف 4 . فالله تبارك وتعالى أخبرنا بحبه لهذه الأمور السبعة ؛ الإحسان والمحسنين ، والتوبة والتوابين ، والطهارة والمتطهرين ، والتقوى والمتقين ، والصبر والصابرين ، والتوكل عليه والمتوكلين ، والقتال فى سبيله صفاً واحداً مرصوصاً كالبنيان ، وهذه الصفات السبعة المحبوبة هى خلاصة هذا الدين القيّم ، ودستور الأخلاق فى القرآن الكريم، فالمؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون من هذه الصفات السبعة بسبب ، وتكون حياته سلسلة متواصلة من المحاولات التى لا تكل للانتماء إلى هذه الفئات التى يحبها الله . ولكل صفة من هذه الصفات ما يميزها ، أو يميز من كانت فيه وسعى سعيه إلى أن يغترف منها ، فالمحسنون والتوابون والمتطهرون والمتقون والصابرون والمتوكلون والمقاتلون فى سبيل الله ، كلهم جزاؤهم عند الله مغفرة وأجر عظيم ، يدخلهم الله جنات تجرى من تحتها الأنهار ، أفاض القرآن فى وصف جمالها ورونقها وضيائها ومتعها ، وهؤلاء المتصفون بالصفات التى يحبها الله هم الذين يذكرون الله تبارك وتعالى دائما ولا ينسونه ، يذكرونه فى كل أحوالهم وفى كل لحظات حياتهم ، ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) – السجدة 16 ، يدعونه جل وعلا خوفاً من عذابه ، وطمعا فى مغفرته وجنته . ونلاحظ فى هذا المقام من تناول ما يحب الله تبارك وتعالى ؛ أن هذه الصفات فى أغلب أحوالها هى علاقات مباشرة بين العبد وربه ، فالمحسن هو من يحسن العمل لله تبارك وتعالى ، والتائب يتوب لله تبارك وتعالى ، ولا يمكن أن يتوب إنسان عن عمل ما لإنسان آخر ، فالتوبة لله لا لعباد الله ، والمتطهر يتطهر لله ، والمتقى يتقى الله، والصابر يصبر على ابتلاء الله ، والمتوكل يتوكل على الله ، والمقاتل يقاتل فى سبيل الله . إذن .. فكل الأعمال التى يحبها الله من عباده هى له تبارك وتعالى ؛ يجازى عباده عليها بما شاء . أما ما لا يحب الله ؛ فقد ورد فى الآيات الآتية: ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) – البقرة 190 ( وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ) – البقرة 205 ، ( واللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) – المائدة 64 ( وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) – البقرة 267 ، ( فإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) – آل عمران 32 ، ( وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) – آل عمران 57 ، ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ) – النساء 36 ، ( إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) – النحل 23 ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ) – النساء 107، ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) – الحج 38 ، ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ ) – الأنفال 58 ، ( لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ) – النساء 148، ، ( إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) – الأنعام 141 ، ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) – القصص 76. فالله تبارك وتعالى لا يحب المعتدين ، ولا يحب الفساد والمفسدين ، ولا يحب الكفار ولا الظالمين ، ولا يحب المختال الفخور المستكبر ، ولا يحب الخائنين ، ولا يحب المجاهرين بالسوء إلا من ظلم ، ولا يحب المسرفين ولا الفرحين ، وهذه الصفات التسع لا يحبها الله ، وهى فى أغلبها تتبدى فى علاقات الناس مع بعضهم البعض ، فالمعتدى يعتدى على حق غيره ، سواء على المستوى الفردى ، أو المجتمعى ، أو على مستوى الدول والشعوب ، والفساد والإفساد فى الأرض هو أيضا علاقة بين الناس ، والمستكبر المختال الفخور يمارس هذه الرذائل الثلاثة مع من يعتبرهم دونه من الناس ، والمجاهرة بالسوء والخيانة والفرح المغرور والإسراف ؛ كلها تتبدى فى علاقات الناس مع بعضهم البعض ، من خلال أسرهم أو مجتمعاتهم أو دولهم وشعوبهم . القاسم المشترك الذى يجمع كل هذه الصفات والتصرفات المقيتة ؛ هو بغض الله لها ، وكرهه تبارك وتعالى لكل من يتصف بأي منها ، فكيف يتجرأ جهال الناس على اقتراف بعض هذه الآثام ؟ ولا شك أن الدافع الأساسى وراء ارتكاب ما لا يحب الله هو عدم الإيمان بالله ؛ أى الكفر ، وهو أفظع ما يمكن أن ينجرف إليه الإنسان فى حياته ، إذ إنه حين يخفى حقيقة الألوهية فى نفسه الأمارة بالسوء ؛ ولا يبديها ولا يؤمن بها ؛ فهو كافر ؛ أى مخفٍ للحقيقة التى يعلمها جيدا ، أن الله هو الإله الواحد لا شريك له ، وحينئذ تصبح أفعاله هى الأفعال التى لا يحبها الله ، وارتكاب صغيرها يؤدى حتما إلى كبيرها ، ليدخل الإنسان الذى كرمه ربه فى حلقة مفرغة شريرة ، تودى به إلى الهلاك والعياذ بالله ، إلى نار جهنم خالداً فيها ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) – فاطر 36 . إن القرآن الكريم حين يوجهنا هذا التوجيه الواضح الصريح إلى ما يحب الله تبارك وتعالى ، وينهانا عما لا يحب ؛ يضع بين أيدينا دستوراً للحياة الدنيا ينأى بنا أن نورد أنفسنا موارد الهلاك ، ويؤدى بنا فى الآخرة إلى الفلاح والنجاح إن شاء الله: ( جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) – البينة 8 .