ما زال ممكناً- وسط مسرح اللامعقول الذى نعيشه فى بلدنا حتى بعد ثورة 25 يناير العظيمة أن تجد مسئولاً أو رئيس تحرير يقوم بعمل مفزع ينتمى للأنظمة الشمولية التى ثارت ضدها شعوبنا العربية . الزميل والكاتب الصحفى كارم يحى بالزميلة الأهرام تلقى خطاباً مكتوباً من رئيس تحريره المنتخب بعد الثورة يبلغه بمنعه من النشر ! .. اتهموه بنشر "موضوع " عن تونس فى الزميلة الشروق بعد إيفاده على نفقة جريدته الأصلية وبالتالى وجوب توقيف النشر له لحين الانتهاء من التحويل للشئون القانونية وهو ما كان الزميل يطالب به مراراً ولم يحدث حتى الآن . والأمر الثانى أن " الموضوع " الذى اتُّهم الزميل بنشره هو مقال رأى وليس " موضوعا" , وهو من عانى بعد إرساله لرسالة تونس عقب زيارته فى أكتوبر الماضى , من نشر رسالتين فقط من أصل تسع رسائل كان بعثها لجريدته ولم يطلب شفاهة أو كتابة أى بدل سفر من جريدته كما سبق وقام بسفريات عمل إلى بيروت وغيرها على نفقته الخاصة . أذهلنى معرفة أن الزميل تعرض لبعض ما يحدث فى صحف زميلة أخرى حيث تم منعه من دخول مقر عمله طوال 2004 و2005 بل ولمدة ستة أشهر أخرى بعد رحيل رئيس تحرير الزميلة الأهرام وقتها السيد إبراهيم نافع . ماذا يعنى منع النشر والمنع المحتمل – مجدداً – من دخول مقر العمل لزميل يمنعنا بمثالية ونبل من نشر تفاصيل كى لا تتم " شخصنة " قضيته ؟ . المنع يعنى إهانة كل قراء الأستاذ كارم وإلغاء وجودهم وحقهم فى قراءة كاتبهم على صفحات جريدته وخاصة لو كانت جريدتهم المفضلة منذ سنوات كدأب العديد من الأسر المصرية ولا دخل لكون عائلتنا امتنعت عن شراء الجريدة الزميلة منذ ما قبل ثورة يناير بأعوام . المنع يعنى أيضاً الاستخفاف الكامل بحق الكاتب الممنوع من النشر فى اللجوء للقضاء أو التظلم أمام نقابته . ورسالة المنع التى دفعت الزميل الكاتب الذى له يوميات عن الثورة المصرية ويصدر له قريباً كتاب عن ثورة تونس – الرسالة دفعته إلى إرسال مقالاته المحرمة إلى جريدة البديل الجديد الإليكترونية . إنه لأمر مخزٍ أن لا يجد كاتب كبير المواقف والعمر مكاناً فى جريدته أو أية جريدة ورقية للنشر . لكن يبدو أن الخطاب الرسمى بمنع النشر هو رسالة أيضاً موجهة إلى كل صحفىّ وصحفيات الزميلة الأهرام فالتهديد المضمر بحذو المثل هدفه ضرب وحدة وتلاحم الزملاء فى المؤسسة الواحدة كى يبتعدوا عن فئة الملعونين من الكُتاب الذين لم تقدر السلطة على ترويضهم على مر العصور وعلى اختلاف تلك السلطة على عكس المتراقصين من الكُتاب الذين يتخاطفون حقوق غيرهم من المظلومين والمغضوب عليهم فى صحافتنا القومية التى لم تصلها الثورة بعد . هذه الفئة الضالة التى يتحتم استئصالها فى حملة تطهير للإعلام ,إلى جانب حملات موازية فى الوزارات والمحليات والبنوك الخ , ترسل هى الأخرى رسائلها طول الوقت لصُنّاع القرار لضمان نوال البركة وتواصل شن حملات كر وفر على أنصار الثورة . إن المعنى العميق لمنع نشر مقالات أى كاتب مخلص لوطنه – خاصة لو كان صحفياً – هو معاقبة الشجاعة وتسييد ذهنية الرقيب ومكافأة السلوك " الفئرانى ".فالمانع لا يكون خيراً أبداً بل ذعراً وفساداً مستمراً , والفساد بالتعريف يعنى الاستعداد المبدئى لتقديم ضحايا لضمان تدفق ما أتمتع به من مزايا . إن العدوان الكامن فى معنى المنع هو فى حقيقته عدوان على دماء كل شهيد وكل فاقد لعينه من أجل حرية لم تأتِ بعد لهذا البلد الصابر العظيم الذى واصلوا تحريك كراهيتنا ضده عل مدى عقود وفشلوا . ما زلنا راغبين وقادرين على التضحية بالأطراف والحواس والحياة من أجل مصر. يقول الزميل كارم أنه يخشى أن يأتى اليوم الذى يتم منعه فيه من دخول مقرعمله أى مبنى الأهرام كما سبق وحدث عامى 2004 و2005 . أما أنا فأقول لكل زملائه فى الأهرام قبل غيرها : حسناً , اسكتوا اليوم عن حق واحد , وغداً سيتم إسكاتكم- فرداً فرداً – حتى نهاية عمركم الصحفى . ملحوظة : هذا المقال عن منع النشر تعرض هو نفسه وبشكل متسق مع نبوءة الزميل كارم , لمنع النشرعملاً بقاعدة عرفية أن الصحف القومية على ما يبدو لا تنشر مساوئ بعضها البعض رغم أن هذا لم يتم التصريح به بوصفه السبب .