نعم، نحن ثرثارون ولا نحسن الكلام، فيها حاجة دي؟ زمن الللللل... خلاص انتهي. لكننا معذورون. عمدت الدولة إلي نظام تعليمي يهدف بالأساس إلي «نقل مخ» الناس. فأخذت تغير نظام التعليم كل عامين جاعلة من الطلبة فئران تجارب. هذا بخلاف تعيين شخص ممتاز، في مجال غير تخصصه تماما «يعني الطباخ يشتغل سواق والبواب يطبخ والسواق يصلح التليفزيون». ثم سكب كميات هائلة من الجمل السيريالية في آذان الناس، سواء في تصريحات سياسية، أو برامج إعلامية، أو كتب مدرسية أو غير مدرسية. ثم اقرأ الصحف لتجد جملا مثل: «وحاول أن يتلاشي المواجهة معه»، ومن بعض المثقفين الجدد من يستخدم صياغات مثل «النزر اليسير» ويكتبها كدهو: «النذر اليسير»، وتصريحات السادة المسئولين حين يصفون الحالة التي «لا يرثي» لها التي «توصلت» إليها..أي حاجة بقي. كما أن بعض المذيعات ينطقن الكلمات تماما كما يكتبها غيرهم: «علاج الثمنة»، أو «نشرة الأغبار»، أو «نغبة من ألمع النجوم»، وأنا واثقة أنها ليست لديها مشكلة في نطق الخاء بدليل أنها تقول «حجاج بيت الله الحرام وهم يستخفرون». وهذه هي النتيجة: في الكتابة دائما ما تحل الزاي محل الذال، ليس لأنهم يعانون من لثغة في الذال لا سمح الله، بدليل أن الذال تحل محل الزاي، وتحل السين محل الثاء، والثاء محل السين، مثلا: زالك الكم من المشاكل بسبب الزواج في ثن صغيرات. ولا داعي للمزاح السخيف والتساؤل عن قواعد اللغة لأن تدميرها بدأ من قبل أن أولد أنا وأنت. لا يقف التدمير المنظم، الذي لا يلام عليه سوي الدولة التي تضع نظام التعليم، عند الإملاء والنطق، وإنما تجاوزه إلي مجال التعبير، ومنه إلي مجال التسلسل المنطقي في الحديث، ومنه إلي فهم السؤال الذي ستجيب عليه بالأساس. يظن البعض أن اللمبي وأشباهه هم فقط من يقولون: «ساكن في الهرم عند مستشفي الحميات العباسية اللي في إمبابة« «فيه شخص وصف لي عنوان كده فعلا». وهذا ليس صحيحا، إعلاميون كبار وساسة ومسئولون، يقولون جملا مشابهة، وليس أدل علي ذلك من تصريحات وزير الخارجية مثلا. وكأن هناك تعمداً وخطة للعب في عقول الناس لعبة البت وتخطيط الودع. لم يعد مهما كيف تنطق الكلمات أو تكتبها، المهم الآن أنني حين أقول لك: «مساء الخير». لا أجد ردا من قبيل: «لا والله شبعان». وبسبب التوتر الذي يعاني جميعنا منه، أصبحت الإجابة علي «مساء الخير»: «والله بص لنفسك الأول»، أو «قطع لسانك»، أو «ياريت ما ندخلش الدين في الموضوع». حقيقة أن النتيجة النهائية تبدو وكأن الناس أصيبت بلوثة، لكنهم طبيعيون، أؤكد لكم أنهم أناس طبيعيون تماما، وحين يسافرون إلي أي مكان في العالم يتصرفون بشكل طبيعي، ويتعلمون ويتفوق بعضهم، خاصة وأنهم يتوقفون عن قراءة أسامة سرايا، ويتحررون من الخوف والإحساس الدائم بأنهم مستهدفون وأنهم في مرمي سهام جهة غامضة ما. حين يتمكن الخوف والعزلة من الإنسان لا يمكن أن يفكر بشكل منطقي، وحين يثقله التجهيل المتعمد من واضعي نظم التعليم يضيق صدر المرء ولا ينطلق لسانه.