بحضور أهالي جرجا.. افتتاح مسجد مالك الملك بسوهاج    الزراعة: زيادة ملحوظة فى صادرات بعض المحاصيل الزراعية المصرية إلى روسيا    الصوامع والشون تستلم 270 ألفا و255 طنا من القمح داخل وخارج أسوان    ترامب: نعمل على إطلاق سراح المحتجزين في غزة    مستثمر سعودى يشترى ألميريا الإسباني ب100 مليون يورو    البابا ليو الرابع عشر يعرض استضافة محادثات سلام بين روسيا وأوكرانيا في الفاتيكان    مصدر يكشف موعد الإعلان عن تولي خوسيه ريفيرو مدربا للأهلي (خاص)    تشكيل الأهلى أمام مسار فى نصف نهائي كأس مصر للكرة النسائية    البنزرتي يلمح لقيادة الوداد في مونديال الأندية    طقس الإسكندرية الجمعة شديد الحرارة والعظمي تسجل 35 درجة.. بث مباشر    بعد 6 سنوات من الجائحة.. تحذيرات من موجة جديدة لكورونا جنوب شرق آسيا    القافلة الدعوية المشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف ودار الإفتاء تواصل ندواتها بمساجد شمال سيناء (صور)    شعبة المستلزمات الطبية تناقش مشكلات القطاع مع هيئتى الشراء الموحد والدواء    ماكرون يدعو أوروبا لإدانة الوضع فى غزة لكسب مصداقيتها بشأن أوكرانيا    سيارة تقطع إشارة عبد المنعم رياض بالمهندسين وتحطم واجهة محل تجاري    الأحد.. مجلس الشيوخ يناقش خطة التنمية الاجتماعية والاقتصادية للعام المالي 2026/2025    إصلاح اعوجاج بالعمود الفقري وانزلاق غضروفي متعدد بمستشفى دمياط العام    حصاد مجلس النواب خلال الجلسات العامة 11 - 12 مايو 2025    وزير الكهرباء يتابع مستجدات تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة    «10 مليون دولار!».. مدرب الزمالك السابق يكشف مفاجأة بشأن عدم بيع زيزو    رسميًا.. الزمالك يعلن اتخاذ الخطوات الرسمية نحو رفع إيقاف القيد    أسعار الأسماك اليوم في مصر    سفيرة الاتحاد الأوروبي تشيد بدور مصر في القضية الفلسطينية    مصرع 3 بينهم طفل وإصابة 20 آخرين في حادث انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    فيلم مصري يفاجىء أبطاله.. حقق إيرادات 171.4 مليون جنيه في 44 يوم    إنجلترا والإمارات في أولى منافسات sitfy poland للمونودراما    هدى الإتربي بإطلالة أنيقة في مهرجان كان السينمائي    عرض الجزء الأول من فيلم "الزعيم" على شاشة الوثائقية غدا السبت    الدقران: غزة تتعرض لحرب إبادة شاملة والمستشفيات تنهار تحت وطأة العدوان    المفتي: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية وفاعله آثم    شكاوى المواطنين تنهال على محافظ بني سويف عقب أدائه صلاة الجمعة .. صور    الإمارات تهدي ترامب "قطرة نفط واحدة".. والأخير ساخرا: لست سعيد بذلك    وزير الري يعلن الإسراع فى إجراءات بدء تنفيذ عملية تأهيل كوبري عبوده    الكشف الطبي بالمجان على 1091 مواطنا في قافلة طبية بدمياط    منازل الإسرائيليين تحترق.. النيران تمتد للمبانى فى وادى القدس    مصرع شاب غرقا في ترعة الإبراهيمية ببني سويف    بث مباشر.. نقل شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر    موعد بدء إجازة نهاية العام الدراسي لصفوف النقل والشهادة الإعدادية في القليوبية    كاف يكشف عن تصميم جديد لكأس لدوري أبطال إفريقيا    عبدالناصر فى «تجليات» الغيطانى    بسنت شوقي تكشف عن حلم حياتها الذي تتمنى تحقيقه    حال الاستئناف، 3 سيناريوهات تنتظر نجل الفنان محمد رمضان بعد الحكم بإيداعه في دار رعاية    مواصفات امتحان اللغة العربية للصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025    بعد استثنائها من الدخول المجاني.. أسعار تذاكر زيارة متاحف «التحرير والكبير والحضارة»    الإسكان: قرارات إزالة لتعديات ومخالفات بناء بالساحل الشمالي وملوي الجديدة    عدوان متواصل على سلفيت.. الاحتلال والمستوطنون يحرقون منازل ومركبات ويعتقلون السكان    أسعار الأسماك في بورسعيد اليوم الجمعة 16 مايو 2025    حبس متهم بالتعدى على طفلة فى مدينة نصر    مقتل عامل طعنا على يد تاجر مواشي في منطقة أبو النمرس    الصحة: خبير من جامعة جنيف يُحاضر أطباء العيون برمد أسيوط    طريقة عمل السمك السنجاري فى البيت، أحلى وأوفر من الجاهز    الدوري الإسباني.. بيتيس يبقي على آماله الضئيلة بخوض دوري الأبطال    لاعب المغرب: نسعى لكتابة التاريخ والتتويج بأمم إفريقيا للشباب    البلشي: 40% من نقابة الصحفيين "سيدات".. وسنقر مدونة سلوك    د. محروس بريك يكتب: منازل الصبر    توقفوا فورا.. طلب عاجل من السعودية إلى إسرائيل (تفاصيل)    نشرة التوك شو| حجم خسائر قناة السويس خلال عام ونصف وتحذير من موجة شديدة الحرارة    هل الصلاة على النبي تحقق المعجزات..دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلال فضل يكتب: جمعة ع اللي جرى
نشر في الدستور الأصلي يوم 18 - 11 - 2011

لا أدرى لمن سيكون أمر المنصات اليوم فى ميدان التحرير، لكن ما أدريه أنه لو كان أمرها بيدى لاخترت أن تكون الأغنية الرسمية لمليونية اليوم أغنية (ع اللى جرى)، طيب والله بجد أقترح وأسأل: هل يمكن أن يتجاوز الإخوة المتشددون قليلا ويصموا آذانهم بعض الوقت لكى يتاح لمصر كلها أن تستمع إلى هذه الأغنية وهى تتأمل ما حدث فيها ولها طيلة الأشهر التسعة الماضية، لا أعنى فقط مصر الحاضرة اليوم فى الميدان بل أعنى أيضا مصر الغائبة عنه ومصر المراقبة له ومصر المتوجسة خيفة منه ومصر المتطلعة إليه أملا فيه، الكل بحاجة إلى أن يترك نفسه قليلا للشجن المرير الذى ينبعث مع صوت عليا التونسية وهى تشدو بتلك الجملة الساحرة التى تحمل بداخلها معانى متعددة للأسى والندم والتساؤل والتفكير والتذكر والتأمل والحسرة والحذر والتعلم والأمل فى جملة واحدة «ع اللى جرى».
تخيل معى الأعداد التى ستصعد إلى الميدان أو ستراقبه من بعيد، وهى تشترك جميعها فى ترديد تلك الآهات الطويلة الحزينة التى تُفتتَح بها الأغنية، فتهتف كلها فى صوت واحد «آآآآآآآآآآآآآه آآآآآآآآآآآآه» وهى تسترجع صورا من الذاكرة لها وهى تهتف بإيمان حقيقى «الجيش والشعب إيد واحدة»، وتجرى فى الشوارع فِرحَة يوم خُلع الطاغية لتحتضن كل صاحب بدلة عسكرية أيا كانت رتبته وتلتقط معه الصور التذكارية بكل فخر، دون أن تسأله هل يؤمن حقا أن قائده الأعلى مبارك لا يستحق المحاكمة والحساب؟، وهل حقا يؤمن أن من يحتضنهم الآن ناس خربوا البلد أم أنهم صنعوا مجده وأعادوا إليه العزة والكرامة؟ وهل سيكون هو وقادته على قد آمال الناس وثقتهم فيهم أم أنهم سيهدرون ثقة الناس ويخيّبون آمالهم فى تحقيق مطالب الثورة كما وعدوا وصدقناهم ليس عن عجز أو يأس، بل عن إدراك أنهم خيارنا الوحيد حتى تأتى سلطة مدنية منتخبة تخوض طريق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟
تخيل كل واحد من الواقفين فى الميدان أو المراقبين له وهو يناجى صور الشهداء المحفورة فى وجدانه قائلا لكل منهم بحُرقة حقيقية «ع اللى جرى.. بس اما تيجى وانا احكى لك ع اللى جرى»، قبل أن يحكى له بكل أسى عن بعض ما جرى، عن سميرة إبراهيم تلك الثائرة الصعيدية الحرة المحجبة التى أخذوها من قلب الميدان وأهانوا شرف مصر كلها بما قاموا به بحقها من حركات مهينة لكشف عذريتها وكسر إرادتها، وبدلا من أن يرى كل قائد من قادة المجلس العسكرى فيها ابنة له ويبكى بدل الدموع دما على ما جرى لها، استسهلوا اتهامها بالخيانة ولم يستجيبوا لكل مطالبات الاعتذار والتحقيق فى تلك الجريمة التى لن تسقط أبدا بالتقادم. عن مينا دانيال الذى سيبقى حاضرا إلى الأبد فى ذهن كل من رآه وهو يحتضن أخاه محمد ويغنيان سويا فى قلب جنة التحرير «ليه الثورة جميلة وحلوة وإنت معايا» قبل أن يجد نفسه بعد مصرعه متهما ومطلوبا للحساب على أيدى من إذا لم يكونوا قد قتلوه فهم على الأقل لم يحموه من قاتليه. عن التحية العسكرية التى تلقاها حرامية وقتلة أمام سمع وبصر الملايين. عن البيادات العسكرية التى تلقتها أجساد شباب طاهر شريف دفعه الحماس إلى أن يعبر عن حبه لبلاده بطريقته التى كان يمكن أن نختلف معه فيها أو نناقشه أو نحاوره أو نزجره، لكن قادة المجلس العسكرى اختاروا طريقا آخر هو قمعه والتنكيل به والهتاف فيه أن ينزل على ركبه ذليلا مهانا كأنه هو المجرم العتيد الذى نهب مصر وخربها وقعد على تلها.
سنحكى للشهداء ع اللى جرى، عن كل شهيد قتله حجر غادر أو رصاصة حقيرة أو مدرعة مرتبكة ولم يجد من يكشف للناس حقيقة مقتله ويقدم قاتله إلى العدالة فتهدأ النفوس وتصفو بدلا من أن تزداد مرارة وحنقا. عن قتلة الشهداء الذين عوملوا بمنتهى الرقة والحنان، بينما عومل أهاليهم الثكلى والمفجوعون بمنتهى القسوة والخسة. عن دم طاهر لم يقدره حق قدره الذين ظننا أنهم سيعرفون قيمة الدم أكثر منا. عن شباب حُرموا حق مقاضاتهم أمام قاضيهم الطبيعى وذهبوا إلى محاكمات عسكرية لم يذهب إليها الذين أهانوا شرف مصر وقزّموها وجعلوها عالة على الأمم. عن الجدع علاء عبد الفتاح الذى رفض أن يشترك فى المسرحية التى تساوى بين الضحية والجلاد فانحاز إلى عدل الله الذى زعموا أنه لا يؤمن به، بينما سكت عن الظلم الذى لا يرضاه الله، كثيرٌ ممن يزعمون أنهم يدافعون عن شرع الله.
سنحكى عن عدالة اجتماعية ظن الناس أنها إذا لم تتحقق فورا فإنهم يمكن أن يروا ولو حتى أملا محسوبا يعدهم بها فتهدأ نفوسهم وتقر أعينهم. عن متاهة الوعود والخطط وبالونات الاختبار والتصريحات المدهونة بزبدة والمحاكمات البطيئة والقرارات التى تصب الزيت على نيران الفتنة عمدا أو عجزا. عن أحلام علقناها على رئيس وزراء حملناه على أكتافنا فوضع أحلامنا تحت حذائه، واختار أن يكون موظفا ذليلا خانعا بدلا من أن يكون شامخا مثل الثورة التى منحته ما لا يستحق. عن رجل اسمه المشير محمد حسين طنطاوى جاءته فرصة لم يكن يحلم بها لكى يسجل نفسه فى كتب التاريخ بحروف من ذهب فاختار أن يهيل على نفسه غبار التساؤلات والشكوك ويعادى جيلا ثائرا كان ينبغى أن يكرمه وينحنى له كل يوم إجلالا وتقديرا لأنه وقف فى مواجهة آلة القمع أعزل فى نفس الوقت الذى كان يأمر فيه قادته وجنوده بأن يقفوا على الحياد بين القتلة والضحايا.
سنحكى ع اللى جرى للشهداء وللدنيا ولأنفسنا ونحن نغنى من مقام الأسى «متغربين احنا.. متغربين.. تجرى السنين واحنا جرح السنين.. ما حد قال عنك خبر يفرحنا.. ولا حد جاب منك كلمة تريّحنا.. يا ليل آه.. يا جرح آه.. يا شعب آه.. الصبر دوبناه.. تهنا وتوّهناه.. وتاهت المراسيل.. بين النهار والليل.. مافضلش غير دمعة مرسومة فى المناديل.. ع اللى جرى».
لكن الأغنية ستنتهى، ومعها سينتهى حتما كل أسانا وكل ألمنا، ستنتهى رغبتنا فى تذكر كل اللى جرى والتعلم منه، وسيبدأ فصل جديد من فصول ثورة قامت لكى تعيش مصر فرحة كاملة، وسالت فيها الدماء لكى يحظى المصرى بحرية غير منقوصة، وطارت فيها الأعين لكى ترى مصر نور العدالة. سنبقى مختلفين بعضنا مع بعض فى تفاصيل شتى، وسيظن بعض اليائسين أن فشل هذه الجولة أو تلك هو فشل للثورة، وسيتوهم كل الفاسدين أن الشعب المصرى يمكن أن يعود إلى سباته ثانية، وسينسون أنه ربما يصمت ويعدّيها إلى حين، لأنه ما زال يرى بصيص أمل اسمه صندوق الانتخابات يدرك أنه وحده الذى سيأتى له بأناس يأخذون حقوق الشهداء والجرحى وينصفون المظلومين والمنتهكَين فى المحاكم العسكرية، ولذلك وحده تتجمل الملايين الثائرة بالصبر، لكنها لن تتسامح أبدا مع من يعبث بإرادتها أو يزيفها أو يظن أنه يمكن أن يعيد إنتاج العهد البائد ثانية ويحرم المصريين من أن يكونوا بنى آدمين بحق وحقيق، ككل خلق الله فى بلاد الله المتقدمة الحرة المتحضرة.
أيا كانت التفاصيل، وأيا كان اللى جرى، ستنتصر إرادة الحياة، وسيعلم الذين ظلموا أىَّ منقلب ينقلبون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.