هذا المقال كتبته ردا على رسالة الدكتور سراج الدين للعاملين بمكتبة الإسكندرية؛ العاملين الذين نزلوا منذ الأربعاء الماضي للدفاع عن مبادئنا وحقوقنا في إصلاح الفساد، فأجبروا الدكتور سراج الدين على إعادتي للمكتبة بعد إصراره على استبعادي، وأجبروه أيضا على إعادة أستاذنا محمد منصور، بل أجبروه على إعادة زملائنا الستة المفصولين الذين خسروا وظائفهم قبل الثورة ضمن حكاية مخجلة لكنها حدثت في منارة حرية التعبير. بدأت الحكاية حين تم اكتشاف إتلاف للوحة فنية بالمكتبة، تضمّنت اللوحة مشاهد لهلال وصليب، فتم تشويه اللوحة. هذا خطأ بلاشك، ينبغي أن يحاسب من اقترفه، لكنه لم يكن معروفا، فماذا فعلت إدارة المكتبة؟ جمعت ستة من الزملاء الملتحين وأجبرتهم على ترك المكتبة ولم يمكنهم وقتها أن يدافعوا عن حقوقهم للصلة الوثيقة بين قيادات أمن المكتبة وأمن الدولة آنذاك. بعد ذلك شعر الفاعل الحقيقي بتأنيب الضمير واعترف بفعلته لكن المكتبة لم تُنصف الستة المظلومين. بعد الثورة ووقفاتنا الاحتجاجية بساحة المكتبة مطالبين بالإصلاح، قرر الدكتور سراج الدين إنشاء لجنة للشكاوى للنظر في تظلمات المظلومين، فقدم الزملاء الستة شكواهم، وقرّرت اللجنة بالإجماع عودتهم للعمل بعد معرفة الفاعل الحقيقي، لكن الدكتور سراج الدين أصر على حرمانهم من وظائفهم!! حين تم إنشاء جروب كلنا عمر حاذق، كتب أحد هؤلاء الزملاء أن لديهم عائلات وأبناء، وأن بعضهم لا يجد قوت يومه. ثم نقل بعض الزملاء هذه الصورة للدكتور سراج الدين فأصرّ على عدم عودتهم، قائلا إنه وفقا للقانون كان من حق هؤلاء الزملاء أن يتظلموا خلال ستين يوما من إقصائهم لكنهم لم يتظلموا. طبعا كلامه صحيح نظريا لكننا نعلم جميعا أنه لم يكن بوسعهم فعل ذلك قبل الثورة لأنهم سيعرّضون أنفسهم للخطر دون جدوى. لم يفكر الدكتور سراج الدين أنه يفقد مصداقيته تماما أمامنا، وأننا ندرك أنه يقول خلاف ما يفعل، ويشكّل لجانا ليجمّد قراراتها، تماما كما كان دائم الاستشهاد بعبارة فولتير "قد أختلف معك في الرأي لكنني مستعد لدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك"، كان يرددها كثيرا في محاضراته، ومع ذلك كان يُقصي كل من يختلف معه ويقطع رزقه بجرة قلم. دعنا من كل ذلك عزيزي القارئ، لأن ثورتنا في المكتبة ليست من أجل تحقيق العدالة للعاملين فحسب، ثورتنا من أجل أن نصلح وطننا. وبعد الثورة التي أسقطت رأس النظام، جاء الدور على المؤسسات الكبرى التي يكافح السيد شرف لحماية الفساد فيها من أي خطر إصلاحي! هنا أحب أن أوضح أنني حين أفكر في مدير لمؤسسة وطنية كبرى، فإنني لا أمنع نفسي من اشتراط أن يكون ذا قامة علمية وأكاديمية كقامة الدكتور سراج الدين، لكنني لا أمنع نفسي أيضا من اشتراط أهم: أن يكون تاريخه العلمي وثقافته الموسوعية جزءا حقيقيا من تكوينه الإنساني والأخلاقي، بمعنى: في زيارة الدكتور سراج الدين الأخيرة لهولندا سأله الكاتب المصري الهولندي الشجاع رامي الدرديري عن احتجاجات العاملين بالمكتبة واعتصامهم، فقال إن المتظاهرين هم من المتشددين المسلمين الذين يريدون المكتبة مغلقة تماما بسبب الممارسات اللاأخلاقية مثل الرقص والعروض والمناقشات المفتوحة فيها. فقال له الدرديري بأن صور اعتصامنا لا تدل على أننا متشددون، فأجابه بأن بعض الموظفين انضموا للسلفيين ليطالبوا بالحوافز !! وفي يوم الاثنين 7 نوفمبر نشر موقع ثقافي إسباني (Cidade da Cultura) تصريحا للدكتور سراج الدين قال فيه ما ترجمته: "وقد قام المتظاهرون بالعديد من الأفعال العنيفة غير المبررة، مما أدى إلى شعوري وشعور طاقم عملي بالخوف على حياتنا وسلامتنا الجسدية (!) خاصة أننا نتعرض لهجوم عنيف من قبل المتظاهرين حتى هذه اللحظة التي أكتب لكم فيها الآن. (!) وقد أوضح أن أبواب المكتبة مازالت مغلقة، ولكنه مازال يحاول إجراء مفاوضات لعودة الحياة لطبيعتها في المؤسسة التي يرأسها". ستجد التصريح على موقع المؤسسة على الفيس بوك بالتاريخ السابق. يقول عنا ذلك ونحن لم نفعل شيئا إلا المطالبة برحيله لإصلاح المكتبة. لا تعليق. حتى تكتمل الصورة في ذهنك أكثر صديقي القارئ، يمكنك مراجعة مقالي السابق هنا على موقع الدستور الأصلي http://www.dostor.org/opinion/11/october/29/59731 ستجد فيه الحكاية من بدايتها، وستجد أيضا كيف حاولت إدارة المكتبة ترويج فكرة مضحكة مفادها أن السلفيين يريدون احتلال المكتبة والقضاء على صرح التنوير والحضارة الذي أسسه الدكتور سراج الدين. الآن دعني أسألك: ما رأيك إذا زرت جروب كلنا عمر حاذق أو اعتصام موظفي مكتبة الإسكندرية ضد الفساد ورأيت صورنا ومقاطع الفيديو الخاصة بنا وأدركتَ مدى إحساسنا بالمسئولية المهنية والأخلاقية تجاه مؤسستنا بإصرارنا على إصلاحها من أي فساد، ورأيت أننا نغني معا أغانينا الوطنية ونردد شعارات الإصلاح دون تطاول على أحد، ثم رأيت الإصرار المنظم لإدارة المكتبة على تصويرنا على أننا سلفيون رجعيون، بداية من جروب إنقاذ المكتبة واستمرارا بزعم الدكتور سراج الدين عنا، ألا تتذكر مبارك المخلوع حين حاول خداع المصريين وحين حرص إعلامه على تحذير العالم من خطر الإخوان مع الادعاء بأن الثوار يأكلون كنتاكي ويقبضون باليورو. السؤال المهم هنا دون الخوض في تفاصيل كثيرة: مَن هو المدير الذي أحلم به لمكتبتي: المدير الكذاب الذي لا ضمير له والذي لا يمكنني أن أئتمنه على أي شيء، أم المدير الشريف الذي علّمته شهاداته الأكاديمية وتكريماته العالمية أنه لا يجوز له أبدا أن يكذب ليشوّه معارضيه؟ الغريب أن الدكتور سراج الدين ومعظم مديريه لا يستوعبون أبدا أن هذه الآلية في التعامل معنا لابد أن تؤدي لإصرارنا على رحيله لأنها تزيدنا يقينا بأن هذا المدير لن يُلزمه ضميره بأي إصلاح حقيقي، كما لن يمنعه ضميره من التنكيل بنا؛ وهو ما عانينا منه بشكل مباشر وأدّى لاشتعال الثورة. أرجو ألا أجرح مشاعر الدكتور بنقدي هذا لأنني لا أريد ذلك، بل أريد أن يستوعب الجميع بوضوح أننا مصرّون على أن يدير مكتبتنا رجل نصدقه ونثق فيه. ماذا لو أن الدكتور سراج الدين اعترف في هولندا بأنه أخطأ في اختيار مديري المكتبة الذين أساءوا لمكتبتنا وله نفسه؟ ماذا لو أنه أدرك أن وقوف هذا العدد في ساحة المكتبة مطالبا برحيله يدل على خلل كبير في منظومة الإدارة؟ كان يمكننا وقتها أن نصدّقه. النظام الذي أسّسه مبارك لإفساد بلادنا ونهبها هو هذا النظام المبني على الاستخفاف بالمواطن البسيط وقهره لحساب المنتفعين المنافقين؛ النظام الذي يجعل المدير إلها جبارا وليس خادما مخلصا للشعب. مساء يوم الأربعاء فجعنا الدكتور شرف الرجل الذي استمد شرعيته من ميدان التحرير باجتماع مجلس الوزراء وتجديد ثقته في الدكتور سراج الدين، ليصرح السفير محمد حجازي المتحدث الرسمي باسم المجلس ببعض الأكاذيب، منها أننا مجرد عشرات من العاملين، وليس 1700، ومنها أننا نسيء لمكتبتنا ونغلقها، وهو ما لم يحدث لأن الدكتور هو الذي أغلقها، ونحن لن نتراجع أبدا قبل إصلاح المكتبة ورحيل الدكتور سراج الدين، كما تناسى بيان المجلس أن اعتصامنا حق دستوري أصلا وأن محاولات المجلس لقمع الاعتصامات هي تصرف ضد مجرى التاريخ أساسا لأن هذه الاعتصامات تطالب بالإصلاح الذي لم يقم به المجلس والسيد شرف، فالشعب الذي هبّ وثار لن يهدأ حتى يكمل إصلاح بلده. المضحك حقا في كل ذلك أن المكتبة تتبع رئيس الجمهورية الذي هو المشير ولا علاقة لشرف بالمكتبة أصلا ليجدد الثقة أو يسحبها. فإذا كان السيد شرف متهم بالتقصير في اتخاذ إجراءات حاسمة لتطهير المؤسسات الكبرى والجامعات والوزارات التي تتبعه أصلا، فما معنى أن يحشر نفسه الآن لحماية الفساد بالمكتبة. في يوم الخميس الماضي الذي بدأناه غاضبين من السيد شرف، وبعد أن زارنا المستشار المحترم محمود الخضيري والكاتب الساحر جلال عامر، وصلتْنا رسالة من الدكتور سراج الدين إلى العاملين بمكتبة الإسكندرية وليتهالم تصلنا. يهنئنا الدكتور سراج الدين بعيد الأضحى ويقرر بأن ما حدث من تجاوزات من بعضنا أساءت له وللزملاء ولصورة المكتبة. بالطبع لم يأت بأي دليل على هذه التجاوزات، ثم يعلن فتح المكتبة وبدء العمل يوم الخميس القادم، ويطمئننا إلى أنه بصدر رحب جدا تجاوز عن إساءاتنا التي أساءت له وللمكتبة "لأنني أؤمن بأن العاملين أبنائي"!! أما أن يقول هو عنا بأننا سلفيون ومتطاولون ومطالبون بالحوافز و.... فهذا في رأيه لا يؤثر على صورة المكتبة أمام العالم. في رسالتي للسيدة مديرتي بعد أن أصرّتْ على إقصائي من المكتبة، وكتبتْ في مذكرتها ضدي تهما مشينة بحقي، قلتُ لها في جزء من رسالتي بتاريخ 29/9/2011: ألا يبدو غريبًا أن تنسبي إليّ اتهامًا بأنني رفضت استلام عمل من قبل، رغم أنك لا تسلمينني أعمالاً أبدًا...... مع التأكيد على أنه لو حدث أمر من ذلك، فأين إثباته من الإجراءات التي يجب على المدير اتخاذها في تلك الظروف؟ بل الأكثر من ذلك أنني تعديتُ على مديرتي بالقول والفعل. هل يمكنني الآن أن أصدق أنني تعديتُ على مديرتي ب "فعل" دون اتخاذ أي إجراء أو تحقيق حول الأمر؟ المضحك في الأمر أنكم تتحدثون عن التشهير بالمكتبة وصورة المكتبة أمام العالم، وتزعمون أنني أسأت لها بكتاباتي رغم أنني لم أخرج عن حدود النقد الموضوعي الذي صرحتُ فيه بحبي للمكتبة وحرصي على بنائها بالنقد الشجاع. أما أن تكذبوا كل هذه الأكاذيب وتظلموا كل هذا الظلم، فأمر لا يمس صورة المكتبة في رأيكم، رغم أن كثيرا من الصحفيين والأدباء تضامنوا معي وأعلنوا رفضهم لذلك!!". ألا تلاحظ إذن يا قارئي العزيز أن اختيارات الدكتور سراج الدين للمديرين تشبه أداءه واختياراته هو في تصرفاته؟ لايزال الدكتور مصرا على أن يلعب هو دور الأب العطوف، ونلعب نحن دور الأبناء العاقّين. طيب سنحاول تصديقك يا دكتور، وأخشى أننا لن نستطيع.