بدا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الذي تولى الرئاسة في إيران منذ عام 2005، البديل الأمثل والأفضل للرئيس السابق محمد خاتمي. خلال ولايته الأولى، كان بالنسبة إلى مرشد الثورة علي خامنئي جنديا متحمسا وخانعا يطيع قائده من دون أي تذمر أو تعليق، تماما كما كان خامنئي نفسه بالنسبة إلى آية الله الخميني، إذ تمتع خامنئي ببعض الصفات التي قربته من الخميني. ويذكر باقر معين، مؤلف كتاب "الخميني: حياة آية الله"، أن هذا ما جعل الخميني خلال عهده، الذي دام عشر سنوات، يستقبل خامنئي أكثر من 150 مرة، فتفوق خامنئي بذلك على أي مسؤول آخر في الحكومة بأكملها. لكن اليوم، من الواضح أن نقمة خامنئي على نجاد، وكرهه المستفحل له قد يطيحان بالمنصب الرئاسي ككل، أو هذا على الأقل ما تم استنباطه من بعض المراقبين السياسيين من خلال ما أدلى به خامنئي من تصريحات في الآونة الأخيرة. فهل تتخلى إيران عن منصب الرئاسة، وتتكرس السلطة الفعلية شكليا واسميا بمنصب الولي الفقيه؟ السؤال في رسم المرحلة المقبلة من تاريخ إيران. "اورينت برس" راقبت ما يجري في الجمهورية الإسلامية وكتبت ما يلي: بدت الرسالة التي وجهها الرجل الأقوى في إيران علي خامنئي واضحة جدا، فقد قال ما معناه إنه: قد يلغى منصب الرئيس في مرحلة ما في المستقبل، وفي هذه الحالة، قد يستخدم النظام البرلماني لانتخاب مسؤولين يضطلعون بالمهام التنفيذية. فقد أعلن مرشد الثورة، علي خامنئي، في خطاب ألقاه قبل أيام في مدينة كرمانشاه: "إننا لن نواجه أي مشكلة في تبديل البنية القائمة راهناً"، مستسهلا أي عملية للإطاحة بالنظام الرئاسي المعمول به حاليا في الجمهورية الإيرانية مما يؤكد مرة أخرى أنه هو صاحب الكلمة الفصل في كل ما يتعلق بالشؤون السياسية والتنظيمية للبلاد. يعود سبب هذا الإعلان إلى الصراع الدائر بين خامنئي والرئيس محمود أحمدي نجاد نتيجة الإرث الذي يود كل منهما تركه، ويأخذ خامنئي هذه المسألة على محمل الجد، إلى حد أنه هدد بإلغاء منصب الرئاسة بحد ذاته. يكتفي خامنئي حتى اليوم بالتهديد، ولكن لا يمكن للإيرانيين تجاهل كلامه هذا، خصوصاً محمود أحمدي نجاد. لا يحق لمحمود أحمدي نجاد الترشح للرئاسة مرة ثالثة، عندما تنتهي ولايته الثانية في شهر يونيو عام 2013، لأن الدستور الإيراني ينص بكل وضوح على أن الرئيس لا يمكنه أن يتبوأ هذا المنصب أكثر من ولايتين متتاليتين، لذلك، يدعم محمود أحمدي نجاد، على ما يبدو، اسفنديار رحيم مشائي، "يده اليمنى"، في ترشحه لسدة الرئاسة كي يضمن استمرار مسيرته وإرثه. مع أن مشائي يواجه حملات شعواء من قبل المحافظين من مخيم خامنئي الذين يصفونه بالمنحرف، ويكيلون له الاتهامات بالفساد والرشوة وسوء الإدارة. يأمل محمود أحمدي نجاد على الأرجح أن يساعده فوز مشائي بالرئاسة على الاحتفاظ بمنصب قوي في الحكومة وهو ما يبدو مناورة إيرانية مماثلة لما قام به رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في حكومة ديمتري ميدفيديف. وعندما ينهي مشائي ولايته كرئيس، التي تدوم أربع سنوات، سيتمكن نجاد من استغلال منصبه الرفيع في حكومة مشائي ليسعى مجدداً إلى الفوز بسدة الرئاسة، وتثير هذه المناورة قلق خامنئي، وهو مصيب في مخاوفه هذه. مشائي شخصية مثيرة للجدل، فالكثير من المحافظين يحتقرونه، ويعود كره البعض له إلى أخبار سرت عن أنه تزوج امرأة انتسبت سابقاً إلى حركة "مجاهدي خلق" المعارضة، التي كان يستجوب أفرادها في ثمانينيات القرن الماضي. كذلك، كثرت التقارير عن أن أخاه كان أيضاً عضواً في هذه الحركة، فضلاً عن ذلك، استاء كثيرون من إعلانه أن الشعب الإيراني لا يحمل أي ضغينة للشعب الإسرائيلي. مع ان مرشد الثورة لطالما أكد أن "إسرائيل هي الشر المطلق" وبالتالي فهو يتحدى خامنئي مباشرة. علاوة على ذلك، تلعب الحساسيات الشخصية دوراً كبيراً في هذه المسألة، فبعيد اقتران ابنة مشائي بنجل محمود أحمدي نجاد، انطلقت مسيرته السياسية. كان مشائي في السابق سياسيا مغمورا، لكنه تحول راهناً إلى يد نجاد اليمنى، حتى إن البعض يعتقدون أن مشائي هو الممسك بالسلطة الفعلية في حكومة نجاد. لكن كره مشائي لا يقتصر على السياسيين الإيرانيين، فقد عمد أخو محمود أحمدي نجاد، داود نجاد، إلى مهاجمته علانية، وانضم صهر محمود أحمدي نجاد، مهدي خورشيدي، إلى الهجوم على مشائي، ويظن البعض أن داود ترك منصبه كرئيس لوحدة التحقيقات الرئاسية بسبب مشائي. من الواضح، إذاً، أن ترشح مشائي للرئاسة سيولد صراعات سياسية دامية داخل عالم إيران السياسي، صراعات قد تؤدي إلى أعمال عنف فعلية، ولا شك أن هذا آخر ما يريده نظام يواجه عقوبات ويعاني مشاكل اقتصادية، فضلاً عن معارضة الحركة الخضراء. لذلك، لا يرغب خامنئي في نشوب صراع كبير بين المحافظين، الذين يشكلون أكبر داعميه في العالم السياسي داخل الجمهورية الإسلامية. بالنظر إلى كل ما تقدم، يكون تحذير خامنئي الأخير من احتمال إلغاء منصب الرئيس في الغالب إنذاراً موجهاً إلى نجاد، فهو ينقل إلى نجاد رسالة مهمة، مفادها أن خامنئي، إذا شعر في أي لحظة بأن الانتخابات التالية قد تؤدي إلى المزيد من العنف والانقسامات بسبب خطط نجاد الشخصية، فهو مستعد لإلغاء هذا المنصب برمته. ولربما يخشى خامنئي أيضاً ردود الفعل تجاه خطط عمدة طهران، محمد باقر قاليباف، للترشح للرئاسة، بما أن الكثير من المحافظين المتشددين يعارضونه. لكن خامنئي قلق أيضاً بشأن إرثه الخاص، فبعد توليه منصب مرشد الثورة عام 1989، واجه خامنئي صعوبات جمة في تعاطيه مع أول رئيسين خلال عهده: علي أكبر هاشمي رفسنجاني وسيد محمد خاتمي. لذلك، بدا محمود أحمدي نجاد، الذي تولى الرئاسة في إيران عام 2005، البديل الأمثل. لكن المودة التي وجدت بينهما سرعان ما اختفت خلال ولاية نجاد الثانية، حين بدا الرئيس كما لو أنه يتحدى خامنئي. وبما انه من غير المعلوم كم سيطول عهد خامنئي كمرشد الثورة، لكنه قرر، على ما يبدو، أنه لا يريد خلال ما تبقى من عهده هذا التعامل مع رئيس وأنه ضاق ذرعاً بتصرفات الرؤساء. ولن تكون هذه المرة الأولى. فخلال عهده كرئيس بين عامي 1981 و1989، واجه خامنئي مشاكل جمة في تعامله مع رئيس الوزراء آنذاك مير حسين موسوي. وقد ساءت علاقتهما إلى درجة أن موسوي حاول تقديم استقالته، حسبما أشار بعض التقارير، إلا أنه تراجع عنها بسبب إصرار الخميني. عندما كان خامنئي رئيساً، بدت سلطته محدودة، ولكن حين أصبح مرشد للثورة، لم يعترض على تعديل الدستور وإلغاء منصب رئيس الوزراء. ويستطيع اليوم تكرار الأمر عينه مع منصب الرئيس، فبما أن الاستقرار بات مهدداً، فلم لا يلغي منصب مساعد الطيار ويقود طائرة الجمهورية الإسلامية منفرداً؟ ففي النهاية، يشكل الصراع مع مساعد الطيار مصدر إلهاء، وقد يؤدي إلى تحطم الطائرة. ومع تركيبة الحكم الجديدة، سيغدو البرلمان أضعف من أن يشكل خطراً على استقرار النظام. لربما يخطط خامنئي أيضاً لخلافته، بما أن التخلص من منصب الرئيس قد يؤثر في اختيار مرشد الثورة التالي في إيران. من المحتمل أن يكون خامنئي قد قرر أن يسلم هذا المنصب إلى ابنه مجتبى أو أن يستبدل به شخصية أخرى أكثر ضعفاً في حرس الثورة الإسلامية الذي يتحكم بمفاتيح السلطة السياسية في البلد. ومع انشغال خامنئي بكل هذه السيناريوهات، قرر على الأرجح أن وجود رئيس قد يؤدي إلى انقسام يمكن أن يستغله أعداء النظام. نتيجة لذلك، رأى أنه من الأفضل إلغاء منصب الرئيس كي يضمن سهولة انتقال الحكم إلى مرشد الثورة التالي ووضوح معالم السلطة بعد توليه هذا المنصب. لا يتمتع علي خامنئي بالشرعية التي امتلكها الخميني، ما يبرر خوفه من الرؤساء خلال عهده، ولا شك أن مجتبى خامنئي سيتمتع بمقدار أقل من الشرعية مقارنة بوالده علي خامنئي، لذلك، يشكك هذا الأخير في جدوى منصب الرئاسة