ظهر السبت 22 أكتوبر، كنتُ على موعد في ميدان المنشية بقلب الإسكندرية؛ حيث مجمع محاكم الإسكندرية، وحيث كانت تُعقد جلسة لمحاكمة قتلة خالد سعيد رحمه الله. الحقيقة أنني لم أكن منتبها أصلا لموعد المحاكمة، ولم أكن أنوي المشاركة في أي وقفة أمام قاعة المحكمة كما كنا نقف في الجلسات السابقة على الثورة. لا أدري إن كانت هذه الوقفات تجدي الآن أم أن البلد بحاجة إلى أداء سياسي مغاير. المهم، قبل وصولنا للمنشية بخمس محطات تقريبا لاحظت توقف طريق الكورنيش واصطفاف السيارات في صفوف طويلة زاحفة. هنا بدأ سائق الميكروباص يشتم الشرطة العسكرية والمتظاهرين معا، وقال لنا إن اليوم جلسة محاكمة قتلة خالد سعيد، وإن الشرطة العسكرية أغلقت ميدان المنشية من جميع جهاته، وقطعت طريق الكورنيش وأغلقته من الاتجاهين، وذلك عند شارع الشهدا (قبل المنشية بمحطة). لماذا؟ خوفا من أي شغب أو مظاهرات (وفقا لتحليل السائق). قبل المنشية بأربع محطات نزلتُ من الميكروباص وأكملتُ الطريق ماشيا بعد يأسي من الوصول في موعدي. فكرتُ أنه من المستبعد وجود متظاهرين كثيرين بحيث يعوقون المرور. المفاجأة التي أذهلتني أنني لم أجد متظاهرا واحدا، بل وجدت أرتالا من جنود الشرطة العسكرية برتب وملابس مختلفة الألوان، مع إغلاق الميدان بشكل يسبب مشكلة كبيرة في عبوره من جهة لأخرى، بحيث يضطر العابرون المشاة أو السائقون لقطع مسافة طويلة حول الميدان وفي منطقة المنشية الشديدة الازدحام أساسا. المضحك حقا أن الشرطة العسكرية استخدمت كثيرا من الأسلاك الشائكة أمام الحواجز المعدنية وصفوف الجنود المتلاصقين، مع عدد خمس مدرعات في محيط الميدان والمحكمة... أمرها عجيب جدا هذه الشرطة العسكرية وهذه العقلية التي تتخذ قرارات مصيرية تتعلق بالمواطنين وبالبلد. وقفتُ خارج حدود الميدان أنتظر وصول أصدقائي أمام الجنود المتراصين خلف الأسلاك الشائكة. الملفت فعلا هو تعليقات المارة البسطاء الذين لم يدخروا جهدا في السخرية من الجنود، و"تقطيمهم" أحيانا، والجنود واقفون متخشّبون كالتماثيل. طيب لم يسأل أحد من قيادات الشرطة العسكرية نفسه: ما الداعي لتضييع وقت الناس وجهدهم ومنعهم من الوصول لميدان حيوي بأي سيارة مع إجبارهم على المشي لمسافات طويلة ليعبروا من أي جهة للأخرى، ناهيك عن إرباك حركة المواصلات في قلب المدينة بحيث تجد مئات المواطنين يتسابقون على ركوب أي تاكسي أو ميكروباص وهو ما يؤدي لتقليل دخل السائقين. هل المتظاهرون خطر إلى هذه الدرجة؟ أتذكر مشاهد من وقفاتنا الاحتجاجية أمام قاعة المحكمة في سبتمبر 2010، حين كنا نقف ونهتف ضد الداخلية والعادلي، كنا نُحاصر بأعداد كبيرة من الأمن والبلطجية، لكن أحدا من قيادات الداخلية لم يفكر يومها في إغلاق الكورنيش، أو في منعنا من الوقوف، بالعكس كنا نضحك كثيرا يومها، لأنه في بعض الوقفات كان مخبرو الداخلية يستأجرون بعض المواطنين البسطاء من البحيرة وكفر الدوار ليقفوا في وقفة مضادة لنا رافعين لافتات تؤيد الداخلية وتشكرها على حماية الشعب المصري من خطر "الإدمان" في إشارة متذاكية إلى خالد رحمه الله. كانوا يقفون منهكين في صفوف منتظمة، ومن حين لآخر يقوم بعضهم بإنزال اللافتة ليريح ذراعيه من رفعها، فنصيح من الجهة الأخرى: "ارفع اللوحة يا ابني احسن مش هايقبّضوك النهاردة". هذا لا ينفي بالطبع قمع الداخلية الذي لا يختلف عنه قمع الشرطة العسكرية أيضا سواء في فض المظاهرات أو في بهدلة النشطاء والمعارضين والكشف على عذرية البنات وانتهاءً بدهس المصريين بالمدرعات؛ لكن الشهادة لله: لم تفكر داخلية العادلي يوما في إغلاق الميادين بهذه الغرابة والعبثية؛ داخلية العادلي المجرمة!!