هل الدين طريقة للسيطرة علي البشر، أم هو طريقة لحمايتهم من الشر، أم هو طريقة لتوجيهم إلي الطريق السليم والالتزام به بالتمسك بالدين؟ أسئلة كثيرة يجيب عنها الفيلم للتأكيد علي أمر واحد هو أن التمسك بالدين والحفاظ عليه مع اشتراط عدم وجود أي رغبة أو هدف شخصي سيوصلك في النهاية إلي الطريق السليم، ورغم أن كل ذلك تم بشكل غير مباشر طوال الأحداث فإن النتيجة كانت مباشرة جدا خصوصا عندما يموت كل الأشرار والراغبين في الحصول علي كتاب الإنجيل المتبقي الوحيد من أجل مصلحتهم في السيطرة علي البشر أو الباقي منهم بعد دمار الأرض من خلال عقولهم وقلوبهم، وفي ذات الوقت تصير الحياة «وردي» للأخيار الذين يسعون إلي نشر الدين مرة أخري علي الأرض. التيار الديني المسيطر علي هوليوود يظهر بشدة ووضوح في فيلم «العملاق»، وهي الترجمة العربية للفيلم وليس هنا المجال للاعتراض علي الاسم المصري للفيلم، ولكن للأسف فهو ليس له أي علاقة بالأحداث التي تدور كلها حول آخر كتاب إنجيل يوجد علي الأرض ويجده «إيلي» ويتجه به غربا بعد أن قال له هاتف أن يتجه للغرب بالكتاب وأنه سيكون في حماية دائمة في طريقه المليء بالمخاط، وفير الطريق تظهر بلدة صغيرة يسيطر عليها «كارنيجي» حيث يتحكم في مصدر المياه النظيفة الوحيد الموجود والذي يعلم مكانه لأنه كان يعيش في هذه البلدة قبل الانفجار الذي دمر الأرض ، «كارنيجي» أيضا مثل «إيلي» يعلم قيمة الكتاب ويبحث عنه ويبعث بفرق ولدت جميعا بعد الدمار لايعرفون الكتابة والقراءة للبحث عن الكتاب، وهنا يزيد الغموض الذي لا يجيب عنه الفيلم، فمتي دمرت الأرض؟ ولماذا لا يعرف أي شخص عن الكتاب سوي إيلي وكارنيجي، وما الحرب التي قامت بعد ذلك؟ ولماذا تدور الأحداث كلها في أمريكا وأن الغرب الذي يتجه اليه إيلي لابد أن يكون في أمريكا ولماذا عندما وصل إلي الغرب ظهرت أشجار ومياه وحياة رغم الدمار؟، كل هذه التساولات ليس لها أي إجابة ،لأنه ببساطة ليس هدف الفيلم وكأن صناع الفيلم يريدون التأكيد علي أنه ليس الهدف هنا إظهار الحياة بعد دمار الأرض بالنيازك حيث يراها المشاهد في مسيرة إيلي في أكثر من منطقة، ولا بما فعل البشر بعد ذلك ولا العمي الذي يصيب الجميع إذا لم يحافظوا علي ارتداء النظارات الشمسية عند الخروج في النهار، وهو شيء غريب لأنه رغم نزاعات وقتال البشر المتبقين علي المياه وعلي الطعام والملابس والنساء فإن هناك وفرة كبيرة في النظارات الشمسية حتي الأطفال يراهم المشاهد يرتدونها مع اختلاف أشكالها، وهو تأكيد آخر علي أن التفاصيل هنا ليست مهمة ، لأن الهدف هنا إظهار أن صحوة البشر لا يمكن أن تأتي سوي بالتمسك بالدين وظهوره مرة أخري متمثلا في كتاب الإنجيل الوحيد ، وأنه يمكن تعمير الأرض مرة أخري وتعليم البشر للخروج من الهلاك والدمار بنشر الدين مرة أخري. لم ينس صناع الفيلم التأكيد علي هوية الفيلم الدينية طوال الأحداث عن طريق البطل «إيلي» الذي يلقي آيات من الإنجيل طوال الوقت وفي جميع الأحداث، ويؤكد أن الايمان هو سر قوته واتباعه طريقه للغرب كما قال له الهاتف رغم مرور 30 عاماً منذ بدايته المشوار، ولم يظهر الفيلم سر حرق باقي الأناجيل ومن الذي حرقها ولماذا، ورغم أنه في مشهد أظهر أن الحرب قد تكون قامت بسبب حرق الأناجيل، فإنه لم يوضح أي سبب لذلك، ولكنه يوضح أن ما صار عليه حال البشر من قتل واغتصاب وانتشار آكلي لحوم البشر كل ذلك لأن البشر الموجودين لا يعرفون الإيمان بل لم يسمعوا به. وأخيرا ينتصر «إيلي» ويصل إلي الغرب ولكن بدون الكتاب الذي حصل عليه «كارنيجي»، لنري أن الغرب متمثل في جزيرة الصخرة الشهيرة في أمريكا والتي عليها مئات المثقفين الناجين الذين جمعوا الكثير من الكتب والتحف واللوحات والآثار التاريخية، وبدأوا في تصنيع مطبعة ليبدأوا تعليم البشرية مرة أخري ويبدأوا طباعة الإنجيل، ولم يحتاج «إيلي» إلي كتاب وقتها لأنه قام بإملائهم الإنجيل بالكامل بعد أن صار كل كلامه بداخله، وهنا تأتي المفاجأة للمشاهد الذي يكتشف أن الإنجيل الوحيد كان مكتوباً بطريقة برايل وهو أمر لم يفد «كارنيجي» الذي يريد أن يستغل الكتاب لجمع أكبر قدر من البشر تحت سيطرته، والمفاجأة الأكبر التي أفقدت الفيلم الكثير من قوته ومصداقيته أن «إيلي» في الأساس شخص أعمي رغم كل الحروب والقتالات التي خاضها في طريقه وكل النظرات للآخرين وتصويبات الرصاصات القاتلة، قد حاول المخرج أن يظهره معتمداً علي السمع ولكن ليس بهذا الشكل إلا إذا كان يقصد أن «إيلي» رسول هذا الزمن وهذه معجزته وأنه فارق الحياة بعد رصاصة من «كارنيجي» لأنه في النهاية بشر، لكن بملابسه البيضاء وذقنه الحليقة ووجهه المنير يعطي الإحساس وكأنه أحد الملائكة أو أنه ذاهب إلي الجنة، وستنتقل مهمته لنشر الكتاب في منطقة أخري والدليل هو «سولارا» الشابة التي تعرف عليها في البلدة وهربت معه والتي اخذت الإنجيل المطبوع لتعود به إلي وطنها لنشر الإيمان وهي ترتدي ملابس مثل إيلي وتحمل أسلحته.