في تصعيد جديد بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين شنت أجهزة الأمن حملة اعتقالات فجر أمس هي الأوسع منذ المحاكمة العسكرية التي تعرض لها قيادات الجماعة في 2006، حيث اعتقلت 14 من قيادات الجماعة من بينهم أربعة أعضاء مكتب الإرشاد علي رأسهم الدكتور محمود عزت- نائب المرشد العام- والدكتور عصام العريان- مشرف القسم السياسي في الجماعة والمتحدث الإعلامي باسم الجماعة والدكتور عبدالرحمن البر- مشرف قسم نشر الدعوة- كما داهمت قوات الأمن منزل الدكتور محيي حامد- مشرف قطاع إخوان شرق الدلتا- والذي لم يكن موجودا في منزله أثناء المداهمة. كما ضمت الحملة الأمنية اعتقال 10 من قيادات الجماعة في محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية والغربية وأسيوط من بينهم وليد شلبي المتحدث الإعلامي باسم المرشد. وقال عبدالمنعم عبدالمقصود - محامي الجماعة - إن اعتقالات الأمس كانت الأقوي علي الجماعة من سابقتها، حيث لم تعتقل أجهزة الأمن أربعة أعضاء مكتب إرشاد في قضية واحدة من قبل، خاصة أن من بينهم نائب المرشد. وأوضح عبدالمقصود أن الاعتقالات توجه رسائل واضحة للجماعة وهي أن النظام مستمر في مناهضة نشاط الإخوان مهما اختلفت القيادات وأن سقفه في الاعتقالات والمواجهة غير منخفض وليس له حدود تنظيمية. كما أنه يهدف إلي شل حركة الجماعة في الفترة القادمة بشكل عام. وأضاف أن النيابة ستبدأ تحقيقاتها معهم اليوم فيما لم يستبعد عبدالمقصود دفع فاتورة الحراك الداخلي الذي أحدثته مؤخرا بانتخاب مكتب إرشاد ومرشد جديد للجماعة. وعن رد فعل الجماعة علي الاعتقالات قال الدكتور محمد مرسي: «رد فعلنا هو المزيد من العمل المتوازن والعمل الشعبي واستمرار حركة الجماعة وذلك دون تهور أو تراجع» مضيفا: «أن عمل الإخوان سلمي ويهدف إلي الحافاظ علي المجتمع، والنظام يخيل لنفسه أننا خطر إلا أن الإخوان لا يمثلون أي خطر علي النظام أو الوطن ولكن نمارس حقنا الدستوري في العمل العام». وقالت الجماعة في بيان لها أصدرته أمس جاء فيه: «يؤكد الإخوان المسلمون أن هذه الاعتقالات لن تثنيهم عن طريقهم الذي اختاروه من أجل نهضة الوطن وإعلاء شأنه، وأنهم مستمرون في نضالهم بجميع السبل السلمية المتاحة من أجل إطلاق الحريات ومواجهة الفساد ومحاربة الاستبداد». وربطت الجماعة في بيانها بين اعتقال قياديها وبما سوف تشهده مصر من حراك سياسي متوقع في المرحلة المقبلة من انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية يجري الإعداد لها من الآن. كما ربطت الجماعة بين هذه الحملة وبما يدبر الآن لقضية فلسطين وبدعم الإخوان الدائم للمقاومين ولأهل غزة المحاصرين. ودعت الجماعة النظام للإفراج الفوري عن هؤلاء المعتقلين، ومن سبقوهم سواء ممن يقضون عقوبة نتيجة محاكمات عسكرية أو من اعتقلوا ظلما لمواقفهم الإصلاحية، مطالبين بأن يحل مكانهم عتاة الفساد الذين نهبوا ثروات مصر وخربوا مستقبلها. ووصف الدكتور محمد سعد الكتاتني - المتحدث الإعلامي باسم الجماعة - حملة الإعتقالات بأنها غير مبررة في هذا التوقيت وأن مؤشر التصعيد ضد الإخوان يأتي كرسالة استباقية قبل الانتخابات باستهداف القيادات العليا في الجماعة. وحول مدي تصعيد الجماعة مسألة اعتقال قياداتها في مجلس الشعب قال الكتاتني: «دائما ما تطرح هذه القضايا في مجلس الشعب إلا أن وزير الداخلية لا يحترم المجلس ولا يأتي للإجابة عن الأسئلة الموجهة إليه مستخدما عصا الأمن وقانون الطوارئ». وهذه هي أول حملة اعتقالات لقيادات من الجماعة منذ تعيين المرشد العام الثامن للجماعة محمد بديع في منتصف يناير الماضي وذلك رغم خطاب التهدئة الذي بدأ به بديع رئاسته للجماعة. وقال فيه إنهم ليسوا في خصومة مع النظام وإن كان هو دائم التضييق علي الجماعة، مؤكدا أنهم يؤمنون بالتدرج في الإصلاح وأن ذلك لا يتم إلا بأسلوب سلمي ونضال دستوري قائم علي الإقناع والحوار وعدم الإكراه. إلا أن مصدراً أمنياً رفض ذكر اسمه قال لوكالة الأنباء الفرنسية: هذه الاعتقالات لأنهم متهمون ب «الانضمام لجماعة غير مشروعة»، إلا أن النظام يريد شل حركة الجماعة ليس فقط علي المستوي الخارجي ولكن شل الحركة الداخلية للجماعة والتي نشطت من خلال مجلس شوري الإخوان خلال الفترة الماضية في اختيار مكتب الإرشاد، حيث يوجه جهاز أمن الدولة المسيطر علي ملف الإخوان رسالة لبديع ليقف مكانه. والضربة ربما يكون هدفها الرئيسي إيقاف تفعيل حركة مجلس شوري الجماعة الذي يطالب بتعديلات في لوائح الجماعة ومطالبات أعضائه بتفعيل حركته كهيئة تشريعية للإخوان. وهو ما يقلق الجهات الأمنية التي لا تسيطيع السيطرة كاملا علي النشاطات الفرعية للجماعة وتحبذ أن تنتقل جميع صلاحيات القيادة لمكتب الإرشاد التي تجيد ملاحقته وتوقيف نشاطه. وأرجع الدكتور عمرو الشوبكي - الخبير في شئون الجماعات الإسلامية - أن تصريحات الجماعة بخوض انتخابات مجلسي الشعب والشوري القادمة إلي جانب تصريحات الدكتور عصام العريان حول توسيع جبهة التحالف مع المعارضة كانت السبب في توجيه تلك الضربة التي وصفها الشوبكي ب «الضربة التقليدية الوقائية» وإن جاءت مبكرا بعض الوقت، نافيا أن تكون الانتخابات الداخلية للإخوان هي السبب الرئيسي في تلك الحملة. وقال الشوبكي إن تصريحات الدكتور محمد بديع - المرشد الجديد للجماعة - كانت تشير للتهدئة. إلا أن هذا الاتجاه لم يشفع للجماعة وألقي القبض علي 14 من كبار قيادات الجماعة. وأكد الشوبكي أن الأمر يتطلب من قيادات الجماعة تحديدا موقفها وأن تكوين تيار سياسي يمارس السياسية دون ارتباط بتنظيم الجماعة وتكوين برنامج سياسي مدني حقيقي.