«الشؤون النيابية» تصدر إنفوجرافًا ب«كل ما تريد معرفته عن اللجان الانتخابية»    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح    30 طفلًا من سفراء «القومي للطفولة» يحتفلون بالأعياد بشمال سيناء    برلماني يدعو المصريين للنزول بكثافة إلى صناديق الاقتراع    احتياطي النقد الأجنبي لمصر يتجاوز 50 مليار دولار للمرة الأولى    أول أتوبيس برمائي.. رئيس الوزراء يشهد اصطفاف عدد من وسائل النقل المصنعة محليًا    وزير الاتصالات: 6 مليارات دولار استثمارات الدولة في البنية الرقمية    منال عوض: نستعد لقمة برشلونة برؤية شاملة ووعي بيئي يشارك فيه كل مواطن    علاء الزهيري: نعمل على تعزيز الابتكار والتقنيات المالية في قطاع التأمين    عاجل- قبل صرف معاشات ديسمبر.. التأمينات الاجتماعية تتيح تعديل جهة صرف المعاش    بث مباشر.. التشغيل التجريبي لمونوريل شرق النيل بدون ركاب    أسوشيتد برس: غزة تنزف رغم الهدنة...أكثر من 69 ألف قتيل وتزايد هجمات المستوطنين    وزير الخارجية يبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية مع نظيره النيجيري    بالتعاون مع الإغاثة الكاثوليكية.. التموين تطلق القافلة ال14 من المساعدات لغزة    "هآرتس": ترامب يضع اللمسات الأخيرة على صفقة انضمام سوريا للاتفاقات الإبراهيمية    الهلال الأحمر المصري يدفع ب 280 ألف سلة غذائية ومستلزمات إغاثية لغزة    تراجع شعبية ترامب..CNN: نتائج انتخابات فرجينيا ونيوجيرسى توبيخ مباشر للرئيس    أنطوان جيرار: كارثة إنسانية بالسودان ونداء لحماية المدنيين    وزارة الخارجية تتابع أوضاع الجالية المصرية في مالي    موعد تحرك الأهلي إلى ملعب نهائي السوبر لمواجهة الزمالك    الأهلي والزمالك.. تعرف على جوائز كأس السوبر المصري    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    نهائي السوبر وقمة الدوري الإنجليزي.. تعرف على أهم مباريات اليوم    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    الداخلية تكشف تفاصيل فيديو لطفل يقود ميكروباص مدرسة بالإسكندرية    15 نوفمبر.. محاكمة المتهمة بتشويه وجه عروس مصر القديمة ب41 غرزة    مديريات التربية والتعليم تبدأ تجهيز الاستمارات الورقية لطلاب الشهادة الإعدادية للعام الدراسي 2025/2026 استعدادًا للامتحانات    الداخلية: تحرير 942 مخالفة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    رئيس هيئة النيابة الإدارية ينعى زوجة رئيس الوطنية للانتخابات    اليوم.. محاكمة 4 متهمين بقتل شخص بسبب الثأر في مدينة نصر    المشرف العام السابق على المتحف الكبير: النظام الإلكتروني الجديد الأفضل للزوار    إشادة ألمانية واسعه بالنجم المصري تامر حسني.. لأول مره في تاريخ ألمانيا مطرب عربي يمليء ستاد يايلا أرينا ب30 ألف شخص    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    مهرجان قنا للفنون والتراث يختتم فعاليات دورته الأولى بقنا.. صور    صفاء أبو السعود تكشف عن تفاصيل مشاركتها في حفل الجراند بول    كيف تعاملت زوجة كريم محمود عبد العزيز مع أنباء انفصالهما؟    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    «معلومات الوزراء» يستطلع آراء المصريين حول المتحف المصري الكبير    وزير الصحة الفلسطيني يعلن بدء استكمال حملة تطعيم الأطفال في قطاع غزة    «السعيد يلعب على حساب أي حد».. شوبير يكشف مفاتيح الزمالك للفوز على الأهلي    العالم بطريقته    حملة توعوية بيطرية مكثفة لدعم صغار المربين بالبحيرة    المصريون بكندا ينهون التصويت في انتخابات مجلس النواب    اليوم.. نظر محاكمة 213 متهما بخلية النزهة    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    هل يجوز القبض على عضو مجلس النواب في غير حالات التلبس؟.. القانون يجيب    شعلة حب لا تنطفئ.. ما هي الأبراج المتوافقة في الزواج والعلاقات العاطفية؟    عميد المعهد القومي للأورام: قدمنا خدمة إضافية لنحو 32 ألف مريض 2024    اختتام فعاليات مؤتمر المعهد القومي للأورام "مستقبل بلا سرطان"    «المعاهد التعليمية» تدخل أحدث طرق علاج السكتة الدماغية بمستشفياتها    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    إخلاء سبيل شخص وصديقه بواقعة التحرش اللفظي بسيدة فى بولاق أبو العلا    حبس وغرامة.. نقيب الأطباء يكشف عقوبة التجاوز والتعدي على الطبيب في القانون الجديد (فيديو)    «عدد كتب الغيب 3».. خالد الجندي: الله قد يغير في اللوح المحفوظ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 8-11-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.هشام عبد الصبور شاهين يكتب: دوريان جراي المصري
نشر في الدستور الأصلي يوم 27 - 09 - 2011

كتب أوسكار وايلد تحفته الشهيرة رواية (صورة دوريان جراي) أواخر القرن التاسع عشر؛ ورأيت أن أعرض لك عزيزي القارئ ملخصا لها لتشاركني إعجابي اللامتناهي بفكرة الرواية العبقرية، والتي يمكن أن تطبقها على واقع الحال المصري هذه الأيام..
تحكي الرواية قصة شاب إسمه دوريان جراي، فائق الجمال والحُسن، وكان يحافظ على جماله بأن آل على نفسه ألا يرتكب أيا من المعاصي والخطايا، ويبتعد عن إيذاء الآخرين، أُعجب أحد الرسامين بجمال وجهه فرسم له صورة طبق الأصل احتفظ بها في مرسمه، ورأى اللورد هنري (الشيطان) الصورة وبهره حسنها، وعقد اتفاقا مع دوريان أن يتيح له ممارسة كل أنواع الفواحش والخطايا والمعاصي ولا يتأثر جماله أو شبابه، بل يبقى على حسنه وشبابه برغم مرور السنين وهرم من يحيطون به، ولكن صورته المرسومة هي التي ستتأثر بالدمامة والقُبح ومرور الزمن؛ بينما يبقى وجهه صافيا رائقا مهما ارتكب من الذنوب، ومرت الأيام وتحقق لكلٍ ما أراد؛ مارس دوريان كل أنواع الرذائل والخطايا وبقي على حاله وجماله وشبابه وفتوته وحسنه، وصورته المخبأة في مخزنه تزداد تجاعيد وقبحا ودمامة، حتى جاء اليوم الذي قرر فيه دوريان كشف الصورة ليرى ما آلت إليه، ورآها وأدرك ما فعله بصورته بكثرة ارتكاب الخطايا والذنوب فغضب وأخرج خنجره ومزق الصورة، وما إن فعل؛ حتى انتقل كل قبحها ودمامتها إلى وجهه هو، ولمح صورة وجه في المرآة فلم يتحمل المنظر وأغمد الخنجر في قلبه وانتحر...
قبل انقلاب يوليو 1952؛ كان وجه الشعب المصري وصورته ووجه وصورة بلاده أجمل وجه وأبهى صورة في العالم، علماؤه منتشرون في أرجاء الأرض يعمرونها وينشرون العلم في ربوعها، شعراؤه وأدباؤه وفنانوه وخبراؤه ورياضيوه يحتلون المراتب الأولى في مجالاتهم، زراعته أوفى وأكمل زراعة؛ قطنه وفاكهته وقمحه وذرته وقصبه تطعم أهل البلاد وتكسوهم، والفائض يجودون به على جيرانهم، بحاره مترعة بالأسماك والشعاب المرجانية فائقة الروعة، نيله يجري بالخير ويصونه أهله وربائب نعمته، صحراؤه تعيش فيها الغزلان والكباش والأراوي والنعام، الجنيه المصري يشتري جنيها ذهبيا ومصر دائنة لبريطانيا العظمى، الناس يعيشون مع بعضهم البعض ويتعاملون تعاملا محترما، يقدر كلٌ منهم الآخر، الشوارع نظيفة والمناطق الشعبية أنظف، وشارع سليمان باشا وشارع فؤاد الأول ينافسان في جمالهما الشانزيليزيه وأكسفورد ستريت، في ميدان وسط البلد الرئيس تقبع أجمل دار أوبرا في العالم، كان وكان وكان.. كل الظواهر والصفات كانت تؤكد أن الشعب المصري يتمتع بجمال صفات ومميزات شعب ورشاد حكم قلّ أن يوجَد على الأرض مثله. فماذا حدث ؟
الطامة الكبرى حدثت منتصف عام 1954، في ذلك الزمان؛ طلب رئيس الجمهورية الأول اللواء محمد نجيب من أعضاء مجلس قيادة الثورة الذي يرأسه انسحاب الجيش من الحكم إلى ثُكناته، وتسليم السلطة في مصر لحكومة منتخبة ديموقراطيا، فقامت قيامة المجلس الطموح إلى الحكم والسيطرة، وكان ما كان مع الرئيس نجيب داعية الديموقراطية الأول في مصر بعد الثورة، المهم أن ما حدث للشعب المصري في العقود الستة التالية كان نتيجة مباشرة لغياب الديموقراطية، فإخراج الشعب من معادلة الحكم بإرساء قواعد الديكتاتورية الرئاسية؛ جعل اتخاذ القرارت في جميع الأمور في يد واحدة؛ يد الرئيس، لا يحاسبه أحد ولا يجرؤ على مساءلته أحد، وتمتع الرئيس بحصانة رفعته إلى مصاف الآلهة، وحذا حذوه كل المحيطين به والمنتمين إلى جهاز حكمه، فاختلفت معايير اختيار الوزراء والوظائف العليا في الوزارات والمحافظات والحكم المحلي من أهل الخبرة إلى أهل الثقة، ومن أهل الولاء للبلاد إلى أهل الولاء لولي النعمة والتعيين، وتدهورت بالتالي كل مناحي الحياة في مصر، من التعليم إلى الصحة، ومن الصحافة إلى الإعلام، ومن الشرطة إلى القضاء، ومن الفن إلى الغناء، وانحدرت القيم والمبادئ والمُثُل، والشعب كل يوم يفقد وجها من وجوه جماله وتميزه بين الأمم الصاعدة، وامتلأت دور القضاء بالمظالم والقضايا والجرائم التي لم نكن يُسمع عنها، وانتشر الفساد والفوضى في بر مصر وبحرها بما كسبت أيدي الناس ...
وعَوْدٌ إلى دوريان جراي، الشعب المصري؛ بوجه عام؛ وقع تحت تأثير قوة رهيبة قامت بدور اللورد هنري؛ جهاز الحكم المتسلط؛ الذي عقد معه الاتفاق الشيطاني؛ فسنّ له القوانين ووضع القواعد التي تضمن تناحر الناس وتنافسهم فيما بينهم، فلا يفكرون في أمور الحكم والسياسة، ونفذ الشعب بالضبط ما أريد له؛ أُطلقت أيدي الناس على بعضهم البعض، وانتشرت المظالم؛ ومع انتشارها شاهت معالم صورة الشعب من كثرة ما ارتكب من ذنوب وآثام؛ وخطايا وإجرام عبر ما يقترب من الستين عاما؛ فأصبح مثل دوريان جراي في دمامة وقبح صورته، بينما يرفض أن ينظر إليها، وهو يظن أنه لازال جميلا ومؤثرا، والخوف كل الخوف أن نفيق ذات يوم على رؤية وجهنا الحقيقي، حين نرى منتهى الدمامة ومنتهى القبح ومنتهى التناقض، ندعو الله أن تحمل لنا الأيام حلا لمشكلتنا غير حلّ الانتحار.. إسلمي يا مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.