الشاعر احمد حسن محمد يكتب: "سوريا"

سُورِيَا...
- كَالليْلِ...
- .....
- لا! بِالطَّبْعِ لَيْسَ الليْلُ أَنْتِ...
وَلا الَّذِينَ مَلَأْتِ آنِيَةَ الشَّوَارِعِ مِنْ دِمَائِهِمُ لِكَيْ تَتَوَضَّئِي
كَالليْلِ هُمْ
وَأَعُوذُ بِاللهِ الَّذِي بِالسُّلْطَةِ الْخَضْرَاءِ كَانَ أَمَدَّهُمْ
فَاسَوَدَّ رِيشُ حَمَامَةِ الزَّيْتُونِ لَمَّا شَدَّهُ مِنْهَا لِيَلْبَسَهُ الْبَعِيدُ غُرُابُهُمْ
كَالليْلِ هُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ سَيِّئِ
كَالليْلِ..
بَلْ أَقْسَى! فَهُمْ صُمٌّ وَمِنْ طِينِ الْعَمَى أَجْفَانُهُمْ
لَكِنَّ عَيْنَ الليْلِ وُسْع الْبَدْرِ..
يَحْمِلُ أَلْفَ أَلْفٍ مِنْ مَصَابِيحِ السَّمَاءِ..
وَسُبْحَةً حبَّاتُهَا النَّجْمَاتُ يُمْسِكُهَا بِكَفٍّ مِنْ هَوَاءٍ أَسْمَرٍ مُتَلأْلِئِ
وَالليْلُ سَاعَاتٌ وَيَرْحَلُ
بَيْنَمَا هُمْ مَاكِثُونَ..
يُرَحِّلُونَ الشَّعْبَ نَحْوَ الْقَبْرِ..
نَحْوَ السِّجْنِ..
أَوْ نَحْوَ الْحُدُودِ لَيَبْحَثُوا فِي قَرْيَةِ الْجِيرَانِ عَنْ خُبْزِ الْحَيَاةِ..
وَعن غمُوسِ المَلْجَأِ
*******
صَبْرًا..
فَإِنَّ الدِّيكَ أَوْشَكَ أَنْ يُصَحِّي الْفَجْرَ..
لَكِنْ كُلُّ مَا فِي الأَمْرِ أَنَّ الثَّعْلَبَ اسْتَعْمَى..
وَقَامَ عَلَى الْمَنَابِرِ مُوغِلاً فِي لُبْسِ جُبَّةِ وَاعِظٍ مُتَلَكِّئِ
حَتَّى وَلَوْ صَارَتْ مَخَالِبُهُ مَآذِنَ..
أَوْ غَدَتْ أَنْيَابُهُ الْحَمْرَاءُ أَشْبَهَ بِالْمَنَابِرِ...
وَالثَّعَالِبُ صَفَّقُوا بِحَرَارَةٍ!!
قُلْ: هَلْ سَيَمْلِكُ مِثْلَ حَنْجَرَةِ الدُّيُوكِ لِكَيْ يُؤَذِّنَ؟!
لا..
وَلاتْ!!
أَوْ هَلْ تَرَى عَيْنَاهُ سُيَّاحَ الْمَلائِكِ فِي الْقُرَى تُحْصِي مُقِيمِي الليْلِ..
تُعْطِي حَفْنَةَ الْبَرَكَاتِ لِلطُّرُقَاتِ...
حَتَّى إِنْ مَشَى أَحَدٌ يُوَلِّى وَجْهَهُ شَطْرَ الْمَسَاجِدِ...
تُعْطِهُ الطُّرُقَاتُ حَفْنَةَ هَذِهِ الْبَرَكَاتْ
قَدْ فَاتَ عَصْرُ الثَّعْلَبِ الْوَعَّاظِ
فِي جُمْهُورِهِ الْمَكْسُوِّ مِنْ رِيشِ الدَّجَاجِ..
بِذَيْلِهِ سَبْعُونَ لَفَّةْ
وَتَقَلَّصَتْ فُرَصُ الْعُوَاءِ عَلَى الْمَنَابِرِ..
لَمْ تَعُدْ لِلرِّيحِ رَغْبَتُهَا الْقَدِيمَةُ أَنْ تُوَصِّلَ
-فِي بَرِيدِ هَوَائِهَا-
صَوْتَ الثَّعَالِبِ فَارِغًا مِنْ أَيِّ عِفَّةْ
............................
الدِّيكُ صَاحَ وَشَهْرَزَادُ تَكَلَّمَتْ يَا شَهْرَيَارْ
لا صَمْتَ مُنْذُ الآنَ بَعْدَ الْفَجْرِ...
فَاسْمَعْ مَرَّةً –لَوْ مَرَّةً- مِنْهَا حِكَايَاتِ النَّهَارْ
فَالشَّاطِرُ الْوَلْهَانُ مَلَّ مِنَ الرَّحِيلِ وَرَاءَ سِتِّ الْحُسْنِ
فِي عِزِّ الظلامِ كَأَنَّهُ لِصٌّ عَلَى قيدِ الْفِرَارْ
وَأَصَرَّ أَنْ تُحْكَى حِكَايَتُهُ صباحًا..
وهوَ يَبْحَثُ عَنْ حَبِيبِتِهِ الْجَمِيلَةِ تَحْتَ عَيْنِ الشَّمْسِ
لا فَوْقَ الأَسِرِّةِ لِلْمُلُوكِ وَرَا السِّتَارْ
وَيَقُولُ إِنَّ الْعِشْقَ فِي الظُّلُمَاتِ عَارْ
فَإِلَى مَتَى سَيَظَلُّ يَبْحَثُ عَنْ حَبِيبَتِهِ يُخَوِّفُ نَفْسَهُ بِعَسَاكِرِ السُّلْطَانِ...
جَفَّ الدَّمْعُ فِي الْجَفْنَيْنِ وَاتُّخِذَ الْقَرَارْ
سَيَلُومُ كُلَّ النَّاسِ في الطرقاتِ..
إِنْ لَمْ يَمْنَحُوهُ إِجَابَةً كَالصُّبْحِ عَنْ سِتِّ الْقُلُوبِ..
وَسَوْفَ يَفْتَحُ كُلَّ شُبَّاكٍ، وَيَطْرُقُ كُلَّ دَارْ
سَيَلُومُ مَنْ يَجِدُ اسْمَهَا الْعَرَبِيَّ تَحْتَ لِسَانِهِ
كَالنُّطْقِ بِالإِسْلامِ حَرَّمَهُ عَلَى الْعَرَبِ التَّتَارْ
سَيَلُومُ مَنْ فِي سَمْعِهِ آثَارُ صَرْخَتِهَا..
وَلَمْ يَثْأَرْ لَهَا..
بَلْ أَغْلَقَ الْبِيبَانَ فِي عَجْزٍ وَثَارْ
سَيَلُومُ مَنْ وَقَعَتْ بِأَرْضِ فُؤَادِهِ مِنْ غُصْنِ نَظْرَتِهَا ثِمَارْ
وَرَأَى الْعَسَاكِرَ مِنْ بَعِيدٍ...
خَافَ أَلا يَتْرُكُوهُ..
فَكَانَ أَنْ تَرَكَ الثِّمَارَ عَلَى تُرَابِ الْقَلْبِ تذوي..
وَاسْتَدَارَ إِلَى سُكُوتٍ ثُمَّ سَارْ
سَيَلُومُ كُلَّ الْعَاطِلِينَ عَنِ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ حَيَاتِهَا..
وَلَقَدْ رَأَوْهَا كُلُّهُمْ..
كَانَتْ يُجَرْجِرُهَا حِصَانٌ أَسْوَدُ الْخُطُواتِ..
يَرْكَبُهُ رَئِيسٌ كَالْمُلُوكِ..تَطُقُّ عَيْنَاهُ شَرَارْ
نَادَتْ بِصَمْتٍ فَامْتَطَى الشُّهَدَاءُ خَيْلَ الْعِشْقِ نَحْوَ اللهِ..
حَمَّمَهَا الشَّبَابُ بمَا تَيَسَّرَ مِنْ دَمٍ..
وَالشَّيْخُ سَنَّدَهَا.. وَوَضَّأَهَا بِدَعْوَتِهِ..
وَحَوَّطَهَا الصِّغَارْ
حَتَّى النِّسَاءُ تَحَوَّلَتْ أَرْحَامُهُنَّ بَنَادِقًا..
طَلَقَاتُهَا أَطْفَالُهُنَّ نَذَرْنَهُمْ شُهَدَاءَ..
فافتح
-أيها الجندي يا عبد الرئيس-
الآن ناركَ في الصغار وفي الكبارْ
أو لم يفضل ربُّك الصلصالَ فِي الأُولَى...
فَأُقْسِمُ أَنَّهُ: لَنْ تَغْلِبَ الصَّلْصَالَ نَارْ
بَدَلُ الشِّهِيدِ الْفَرْدِ ملْيُونٌ وَأَكْثَرُ...
عُدَّ يَا سُلْطَانُ مِنَّا مَا تَشَاءُ التَّضْحِيَاتُ
وَشَاءَ تَحْتَكَ عَرْشُ وَالِدِكَ الْمُقَدَّسِ (حَافِظَار)
***
الشَّاطِرُ الْوَلْهَانُ رَاحَ يَلُومُ كُلَّ السَّاكِتِينْ
قَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ تُوَزِّعُ نَظْرَتَيْهَا فِي الشّمَالِ وَفِي الْيَمِينْ:
إِنِّي رَأَيْتُ... رَأَيْتُهَا..
كَانَتْ هُنَا مَرْبُوطَةً مِنْ حَوْلِهَا حَرَسٌ عَلَيْهَا يَضْحَكُونْ
جَوْعَى..
وَلَمْ تَأْكُلْ سِوَى لُقَمٍ تُغَمِّسُهَا بِآمالٍ وطِينْ
عَطْشَى..
وَقَدْ شَرَّبْتُهَا سِرًّا بِكَفِّي كَأْسَ دَمْعِي..
غَيْرَ أَنَّ الْجَارَ يَعْمَلُ مُخْبِرًا...
لمّا رَآنِي، شَرَّبُوا سَنَوَاتِ عُمْرِي وَانْتِمَاءَاتِي لِجُدْرَانِ السُّجُونْ
مَا كَانَ يُنْسِيهَا أَمَرَّ الْمُرِّ إِلا حِينَ تَحْكِي عَنْكَ لِي
وَتَقُولُ إِنَّكَ فِي هَوَاهَا كَالْوَلِي
وَسَأَلْتُهَا (إِنْ كُنْتَ تَعْرِفُ سِجْنَهَا... أَوْ كَيْفَ تَعْرِفُ أَيَّ عُنْوَانٍ لَهَا)..
رَدَّتْ عَلَيَّ بِدَهْشَةٍ "لا تَسْأَلِي!!
فَالْعِشْقِ يَرْسُمُ فِي الْقُلُوبِ خَرِيطَةً تُبْدِي الطِّرِيقَ الْخَافِيَا
سَيَرَى حَبِيبِي خُطُوَتِي مَحْفُورَةً حَتَّى وَلَوْ تَحْتَ الثَّرَى..
كَمْ كَنت أَصْمُتُ وَهْوَ يَعْرِفُ مِنْ عُيُونِي مَا بِيَا
وَسَيَقْرَأُ التَّارِيخَ
-مُنْذُ قَدِيمِ أَحْزَانِي الَّتِي سَوَّتْ فُؤَادِي-
إِنْ رَأَى خُطُوَاتِيَا
وَيَسِيرُ مِنْ أَجْلِي وَلَوْ أَفْنَى سِنِينَ الْعُمْرِ نَحْوِي مَاشِيَا
***
وَتَقُولُ سِتُّ الْحُسْنِ إِنَّكَ كُنْتَ تَعْشَقُ أَنْ تُسِمِّيَهَا (الْكِنَانَةُ مِصْرُ)....
قَالَ: نَعَمْ، وَهَذَا الاسْمُ تَعْشَقُهُ هِيَا..
قَالَتْ: وَنَحْنُ هُنَا نُسِمِّيهَا (الْجَمِيلَة سُورِيَا)!!..