لماذا لم يعلن المجلس العسكري فرض الأحكام العرفية فى مصر منذ توليه حكم البلاد في أعقاب الثورة المبروكة ؟ لماذا لم تتول قوات الجيش حفظ النظام وفرض تطبيق القانون فور حدوث حالة الخواء؛ لا أقول الانفلات؛ الأمني إثر انسحاب الشرطة من كل أنحاء البلاد؟ هل كان لتعامل الجيش (الوديع) مع المصريين هدف معين، أم إن ذلك كان لحاجة في نفس مبارك قضاها؟ هل من مصلحة مصر أن تغيب عن شوارعها قوات الشرطة فجأة، وتستمر حالة الخواء الأمني وتتفاقم رغم مرور سبعة أشهر؟ ألا تستطيع قوات الجيش أن تقوم مقام قوات الشرطة المنحلة المتراخية؟ هل استخدم سلاح الخواء الأمني الذي قد يؤدي إلى الانفلات الأمني للقضاء على روح الثورة عند من قام بها، واستعداء الدهماء وطبقات الشعب الفقيرة عليهم؟ تساؤلات سيطرت على عقولنا وتفكيرنا وأقضت مضاجعنا منذ فبراير الماضي كلما سرنا في الطريق أو سمعنا الأخبار أو تحاورنا بيننا أو حتى صمتنا، ففوضى المرور عارمة، والزحام فى الميادين والشوارع الرئيسية لا يطاق، وسائقو الميكروباص وسائقو السيارات الخاصة والنقل والأوتوبيس يفعلون في الشوارع ما يحلو لهم، مش ثورة وكل واحد يعمل اللي هو عايزه؟ أجل أيها السادة؛ كل واحد يعمل اللي هو عايزه.. هذا هو المنطق الذي يسود الشارع المصري الآن، بعيدا عن أوهام الفيسبوك والتويتر، وأحلام 9 مارس و6 أبريل، ويتناقض تماما مع ما جال بخواطر من كانوا في ميدان التحرير أو ميدان القائد في الإسكندرية، أو من جلسوا ثائرين أمام نشرات الأخبار حتى سقط نظام الطاغية ! لا أتحدث هنا عن انفلات أمني لم يحدث، رغم أن هناك من يتمنى حدوثه، ولا أتحدث عن حرب كتلك التي دارت رحاها في ليبيا وتوشك أن تندلع فى اليمن، ولا أتحدث عن مواجهات دموية بين الجيش والمتظاهرين كما يحدث فى سوريا منذ شهور، فالموقف في مصر مختلف، وإليكم بعض من مشاهد الحياة المصرية بعد الثورة: أولا: في أحياء كالشرابية والدرب الأحمر؛ بنيت بها منذ عشرات السنين مساكن سميت (المساكن الشعبية)، اتفق سكان كل عمارة على توسيع شققهم، كيف؟ اتفقوا مع مقاول ليبني لهم مبنى ملاصقا لمبناهم يتكون من غرفتين بارتفاع خمسة أدوار، وبعد أن يكتمل البناء يقوم صاحب كل شقة بفتح الجدار بين المسكن القديم والغرفتين الجديدتين، ويمدهما بالكهرباء كأنهما جزء أصيل من البيت، وأما ساكن الدور الأرضي فيبني بدلا من الغرفتين محلين تجاريين يبيعهما أو يفتتح فيهما مشروعه التجاري، وكل هذا بالطبع يحدث دون الحصول على ترخيص أو طبقا لرسم هندسي قانوني. ثانيا: قد تجد من الشباب من يساعدون في تنظيف ودهان الشوارع الرئيسية، ولكن أطلب منك عزيزي القارئ - إن كانت لديك روح المغامرة - زيارة منطقة عشوائية كدار السلام أو عزبة خير الله أو بير أم سلطان أو عزبة الهجانة أو الباسوس ... كثيرة هي تلك المناطق في القاهرة (1270 منطقة) ! الشارع الرئيسي دائما ما يكون محتلا بالباعة الجائلين وتلال القمامة التي تعلو كل يوم وتبقى في أماكنها لتزكم الأنوف وتستجلب الأمراض والقذارة حتى يحرقها ولاد الحلال، ويجاور تلال القمامة جبال مخلفات المباني وهي تسمى (أكوام الردم)، تأتي بها ليلا ونهارا عربات الكارو فتفرغ حمولاتها فوق الكباري وفي مداخل الشوارع الرئيسية وعلى الطريق الدائري، أما عن الباعة الجائلين والميكروباص والميني باص والتوك توك؛ فحدث ولا حرج عن السفالة والألفاظ النابية والتصرفات القبيحة، وكل ما يمكن أن يقال عن الانحطاط والسقوط الأخلاقي، وبعد أن كان أمناء الشرطة في العهد السابق هم من يديرون شئون هذه الإمبراطورية الجهنمية؛ أصبح البلطجية والمجرمون والخطرون هم من يديرونها ويديرون شئون تلك المناطق بأسرها، وقد لا تضطر إلى الذهاب إلى هذه المناطق الرهيبة واكتف بالنزول إلى ميدان الجيزة أو شارع فيصل أو بولاق الدكرور.. وسترى من الحقيقة ما لا يسرك. ثالثا: الفوضى عارمة على المحور والطريق الدائري وعلى طرق السفر، وفي الشوارع الجانبية وفي المناطق العشوائية والشعبية، فسائقو سيارات النقل لا يلتزمون بأي قواعد، ولا يرتبطون بأي قيود، لا في السرعة ولا فى الحمولة ولا فى المناطق المحظور الدخول والسير فيها، والسيارات تسير في الاتجاه المعاكس رغم الخطورة، وسائقو الميني باص والميكروباص والتوك توك كأنهم (هبلة ومسكوها طبلة !) يرتكبون المخالفات عيني عينك، ولا من يوقفهم أو يحاسبهم أو يردهم. هذه الظواهر وعديد غيرها تبين بوضوح أن الشارع المصري على وشك الانفلات في غياب قوات الشرطة التقليدية (أطقم الجباية)، وكأن البلد ليست بلدنا، وكأن ما يحدث فيها الآن يجب أن يحدث ! أليس واضحا لكل ذي عقل أن محاولة جر البلاد إلى حالة الانفلات الأمني ما هي إلا محاولة للانتقام من الناس، يقوم بها ويمولها أقطاب النظام الساقط لأنهم ثاروا عليهم وخلعوهم وحرموهم من التمادي في الفساد والإفساد ؟ أوليس الرئيس المخلوع وابناه وحاشيته والمنتفعون من فساد حكمه في مكانهم في السجن يخضعون للمحاكمة ؟ ألا يرتعد من لا يزال خارج السجن منهم خوفاً من أن تطالهم يد العدالة حين يدان رئيسهم، فيقومون بمحاولاتهم المستميتة لزعزعة النظام، وترويع الآمنين بإطلاق أيدي البلطجية وأصحاب السوابق في الشوارع المصرية ؟ أليس واضحا أن الهدف من محاولاتهم هذه أن تصل الرسالة إلى الناس فيقولوا: ولا يوم من أيامك يا مبارك ؟ والآن.. وإلى أن يتم إعادة تشكيل جهاز الشرطة المتراخي المتقاعس؛ لماذا لا يقوم عدة آلاف من ضباط الجيش بمهام الشرطة ؟ لماذا لا تطبق القوانين العسكرية على كل مخالف؟ إن تطبيقها لثلاثة أو أربعة أشهر بيد الجيش الحديدية سيكون كفيلا بردع كل من تسول له نفسه الإفساد في الأرض، وإرهاب العباد وتخريب البلاد مهما كان توجهه، فالبلطجية موجودون منذ عشرات السنين، واللصوص والخطرون والمفسدون هم جزء أصيل من مجتمع مصر مبارك، وهم بالطبع لا تؤثر فيهم مبادئ الثورة أو حقوق المواطنة، ولا أوامر أو نواهي الدين؛ قرآنا وأحاديث أو أناجيل، ولا يهتمون بزوابع فناجين برامج التوك شو، فيقدمون على ارتكاب الجرائم والترويع والخطايا، ورغم أنهم قلة؛ فإن أعمالهم تؤثر على حياة الآخرين، فيعملون فيها إفسادا وتخريبا، وهؤلاء المجرمون متى علموا أن هناك عقوبة رادعة فسيرتدعوا خوفا من العقوبة، وهو ما قاله عثمان بن عفان رضي الله عنه: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). إن مهمة الجيش النبيلة في بلدنا هي حماية حدود البلاد والمحافظة على أمنها في حالة الحرب، وما من ضابط في جيش مصر الباسل إلا وقد حمل كفنه على ساعديه مستعدا لبذل حياته فداء لوطنه، ومصر الآن في حالة حرب مع عدو يختبئ في شوارعها وأزقتها وقراها ومدنها، وما يجعله عدوا لدودا تصعب مقاومته هو أنه من أهلها، وخبر خفاياها وخباياها. السادة أعضاء المجلس العسكري الحاكم.. أرجوكم طبقوا الأحكام العسكرية على كل مخالف، ولا تأخذكم بالمخربين رأفة، فمستقبل مصر بين أيديكم، والتاريخ لا يرحم. واسلمي يا مصر.