ظفر الرئيس السوداني عمر البشير بفرصة جديدة للنجاة بنفسه من المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية وذلك عن طريق الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي تقدم بطلب للمحكمة لاستئناف الحكم، ولكن ما لم يدركه البشير أن المدعي العام للمحكمة مازال مصرا علي محاكمته، وأن الرئيس الأمريكي لم يمنحه سوي فرصة جديدة ليدان من جديد، وهو مجرد ثمن يحاول الرئيس أوباما أن يشتري به البشير تمهيدا لكسب طاعة السودان، وهو ما يتوقع أن يقبله البشير. ومن الواضح أن الرئيس الأمريكي اختار الطريق الأسهل لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة وهو الإبقاء علي البشير في سدة حكم السودان، وضمان ولائه وطاعته لأمريكا التي ستكون من عتق رقبته من مشنقة المحكمة الجنائية الدولية التي يصر المدعي العام فيها علي أن البشير مجرم حرب، ولكن لم يدرك أيضا أن هناك حراكا داخليا في السودان قد يطيح بالبشير ويجعل من الولاياتالمتحدة عدوا مباشرا لدولة الجنوب، وهو ما لم يحسب أوباما حسابه علي ما يبدو. البشير كان قد أثار المتمردين في دارفور عندما أيد دعوة حكماء أفريقيا لتشكيل محاكم مختلطة - تجمع قضاة سودانيين وأجانب - للتحقيق في جرائم دارفور، ودعا الحكومة السودانية في الخرطوم إلي دراسة إمكانية تكوينها في أقرب فرصة ممكنة، وذلك لأن وجود محاكم تحقق في جرائم دارفور - قد تلقي باللوم علي المتمردين في هذه الجرائم - قد تكون وسيلته للخروج من الفخ الذي نصبه له لويس أوكامبو - المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية- العام الماضي مما جعله غير قادر علي التحرك بحرية كرئيس لدولة مستقلة. ففي 14 يوليو 2008 وفي حادثة غير مسبوقة في الدبلوماسية العالمية المعاصرة أصدر المدعي العام لدي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو مذكرة توقيف بحقه في قضية دارفور وذلك لاتهامه بأنه ارتكب جرائم حرب في إقليم دارفور وطلب تقديمه للمحاكمة، وهو الأمر الذي اعتبرته الحكومة السودانية وبعض الأحزاب السودانية استهدافا لسيادة وكرامة وطنهم وأنها محاكمة سياسية فقط وليست محكمة عدل واتهمت المحكمة بازدواجية المعايير. إدانة البشير ترجع إلي أن بعض التقارير الدولية أشارت إلي مقتل ما يقرب من 300 ألف شخص، وتشريد 5.2 مليون آخرين منذ بدء الصراع رسميا في إقليم دارفور عام 2003 في حين لا تعترف حكومة الرئيس عمر البشير سوي بمقتل عشرة آلاف قتيل سوداني فقط. وتعتبر فترة حكم البشير الأطول في تاريخ السودان، فهو ثالث حاكم عسكري يستولي علي السلطة في السودان بانقلاب عسكري بعد إبراهيم عبود وجعفر نميري، ويعتبر البعض أن عهده من أكثر عهود الازدهار الاقتصادي في السودان، وقد تحققت فيه تغيرات رئيسية في مسار تاريخ السودان مثل استخراج البترول وتحقيق السلام في الحرب الأهلية السودانية الثانية في جنوب السودان والتي تعتبر أطول حرب أهلية في أفريقيا، ويعتبر البعض الآخر أن عهده من أسوأ العهود في مجال حقوق الإنسان في السودان بحيث اتهم بممارسة التعذيب ضد المعارضين السياسيين لأول مرة في تاريخ السودان بالإضافة للإقصاء من الخدمة المدنية تحت مسمي الإحالة للصالح العام.