نظرة جمال مبارك وهو واقف فى قفص الاتهام هى أكثر ما يدفعك إلى تجاوز كل ما تراه بعد الثورة من ارتباك وبطء، ومن ضبابية وجهل وعدوانية، وعجز عواجيز، وهرتلة شباب، وعبس وعبث سياسى. تنسى كل الآثار الجانبية للثورة وتتذكر فقط هذا النصر الشعبى الرائع فى إزاحة هذا الرجل عن حكم مصر، ليس حسنى مبارك، بل من هو أخطر وأفظع منه ديكتاتورية وتوحشا للسلطة، ابنه جمال الذى كان يتولى الحكم تقريبا فى حضور أبيه الجسدى وغيبة تركيزه! يكفى فقط أن تمعن فى جمال مبارك ونظرته المريضة التى يرميها ناحيتنا من خلف القفص! إنه هو نفسه هانيبال ليكتر. شقيقه الأكبر علاء شخص طبيعى، إنسان يعنى، وجد نفسه فى أزمة خانقة وداخل كابوس قاتم، فيبدو فى كل تصرفاته عصبيا متوترا مصدوما عدوانيا، لأنه بنى آدم من لحم ودم، وجد نفسه يسقط من علياء العز والنفوذ والراحة إلى سجن وقفص، فجاءت تعبيراته كلها إنسانية مفهومة وطبيعية. لكن شقيقه هانيبال ليكتر حاجة تانية خالص! السؤال ومن هو هانيبال ليكتر؟ هل تتذكر فيلم «صمت الحملان»؟ الممثل العبقرى أنتونى هوبكنز وهو يقوم بدور قاتل يأكل لحوم البشر، هذا الشرير الوحشى الذى يتصرف كأنه بشر متربى، هادئ وبارد وآلى ولا يتردد لحظة وهو يأكل ذراع ضحيته، أو يقلى مخ ضحية أخرى بمنتهى الثقة فى أنه لا يرتكب خطأ، لا جنحة ولا جريمة. هانيبال ليكتر تحول إلى نموذج يقوم علماء النفس بتحليله باعتباره شخصية تعانى اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع. هو شخص يتجاهل دائما حقوق الآخرين، لا يتقيد بقواعد المجتمع، وتاريخه مبنى على الغدر بالآخرين واستخدام الخداع، سعيا لتحقيق المكسب الشخصى، لديه اعتداد شديد بنفسه، لا يشعر أبدا بالعار أو الندم، لا يمتلك الشعور بالذنب، لا يستطيع تكوين علاقات عاطفية، فظ وغير مبالٍ، يحرص على عكس صورة شخصية قاسية عن نفسه، يسعى لجعل الآخرين يشعرون بالخوف منه، لا يعبأ بتصرفاتهم، يتخذ قرارات بها مخاطرة، يلجأ للعدوان على الآخرين دائما لأنه يخشى فقدان السيطرة والسلطة، مثل هذه الشخصية -غالبا- تلجأ إلى وسائل قانونية لتعمل فى إطارها (خوض العمل فى الشرطة مثلا، أو البزنس الضخم المعتمد على المخاطرة). اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (كما فى حالة ليكتر) يصعب علاجه، لأن الشخص نفسه لا يرغب فى العلاج، وهو لا يعتقد أن الاضطرابات التى يعانى منها مرض يحتاج إلى العلاج، بل هى وسيلة يمارس بها الحياة، وطريقة يتعامل بها مع المجتمع، ينظر للآخرين بلا اكتراث وبنظرة فوقية مغرورة. يميل للاندفاع، وعدم مراعاة عواقب السلوك، ميال للاعتداءات الجسدية، لديه انخفاض فى القدرة على الشعور بالتعاطف نحو الآخرين، وهذا يؤدى إلى ضعف القدرة على التفاعل البشرى، ويعوض هذا باللجوء إلى السلوك غير المسؤول المتجاوز، والافتقار إلى الإحساس بالندم. مفتاح هانيبال ليكتر وجمال مبارك هو إحساسهما بأن «هؤلاء الناس يستحقون هذه النتيجة». هذه النظرات الاستعلائية المتعجرفة لجمال مبارك فى قفصه تقول إنه لم يتعلم ولا اعترف بجرائمه ولا بأن مصر تكرهه ولا تطيقه، حتى إن أكبر عدد من الملايين خرجوا لأول مرة بعد أعوام من الصمت والخنوع ليعلنوا كراهيتهم له قبل أبيه. لكن ماشى، هو كان مريضا بالسلطة والنفوذ وتم نفخه من منافقين وأفاقين مثل بالونة من الغرور التافه، لكن هل هو هانيبال ليكتر لدرجة أنه لم ينتبه لما فعله من جرائم ضد أبيه شخصيا؟ قاتل والده لا يشعر بالذنب حتى تجاه أبيه! نظراته من وراء قفصه هى نفسها التى لاحق بها مسؤولين فى قصر الرئاسة ظهيرة يوم الجمعة 11 فبراير حين بدؤوا يجرون على السلالم، خارجين من القصر مع السكرتارية والحرس الخاص نحو سياراتهم بعدما وصل آلاف المتظاهرين وأحاطوا بالقصر، ساعتها كانت نظراته لهم مستعجبة ومستغربة لماذا يفر هؤلاء؟ هو إيه اللى حصل؟ وكانوا يومها يشفقون عليه جدا من نفسه!