تنسيق الجامعات 2025، قائمة بالمعاهد الهندسية الخاصة المعتمدة من التعليم العالي    صالون تنسيقية شباب الأحزاب يناقش أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بمجلس الشيوخ    أوبك تستعرض بيانات إنتاج النفط الخام لشهري مايو ويونيو 2025 وسط متابعة تطورات السوق    جامعة قناة السويس تتسلم شهادتي الأيزو 21001:2018    أبو مازن: مبادرة الرئيس السيسي تأتي استكمالا لدور مصر التاريخي والمهم لدعم القضية الفلسطينية    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين الاتحادين الدولي والمصري لكرة القدم    السيسي يوجه بتوفير الرعاية الصحية والطبية الفورية للكابتن حسن شحاتة    وفاء عامر: لديّ يقين في العدالة المصرية    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    نقيب الإعلاميين: كلمة الرئيس السيسي بشأن غزة رد عملي على حملات التضليل    سميرة صدقي: عبلة كامل أفضل فنانة قدمت دور المرأة الشعبية    قبل عرضه.. تفاصيل فيلم بيج رامى بطولة رامز جلال    "صحة الشرقية تدين الاعتداء على طبيب بمستشفى أبو حماد    طريقة عمل الكريم كراميل، تحلية صيفية مميزة    علاج الحموضة بالأعشاب الطبيعية في أسرع وقت    الداخلية: لا توجد تجمعات بالمحافظات والإخوان وراء هذه الشائعات    برومو تشويقى ل مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو".. سبع حكايات ومفاجآت غير متوقعة    محافظ جنوب سيناء يتابع تطوير محطة معالجة دهب والغابة الشجرية (صور)    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    توقعات: دوري ملتهب وحار جدًا!    رفقة العراق والبحرين .. منتخب مصر في المجموعة الثانية بكأس الخليج للشباب    «المصري اليوم» داخل قطار العودة إلى السودان.. مشرفو الرحلة: «لا رجوع قبل أن نُسلّم أهلنا إلى حضن الوطن»    وزارة الصحة: حصول مصر على التصنيف الذهبي للقضاء على فيروس سي نجاح ل100 مليون صحة    السباحة الأمريكية وولش تظفر بسباق 100 متر فراشة    السفارة الأمريكية: كتائب حزب الله تقف وراء اقتحام مبنى حكومي ببغداد    حزب الجيل: السيسي يعيد التأكيد على ثوابت مصر في دعم فلسطين    5 شركات تركية تدرس إنشاء مصانع للصناعات الهندسية والأجهزة المنزلية في مصر    قنا: القبض على شاب متهم بالاعتداء على طفل داخل منزل أسرته في قرية الدرب بنجع حمادي    هل ظهور المرأة بدون حجاب أمام رجل غريب ينقض وضوءها؟.. أمينة الفتوى توضح    محافظ القاهرة يكرم 30 طالبا وطالبة من أوائل الثانوية العامة والمكفوفين والدبلومات الفنية    تنفيذي الشرقية يكرم أبطال حرب أكتوبر والمتبرعين للصالح العام    نموذج تجريبي لمواجهة أزمة كثافة الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد في المنوفية    ديفيز: سعيد بالعودة للأهلي.. وهذه رسالتي للجماهير    الحر الشديد خطر صامت.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على القلب والدماغ؟    وثيقة لتجديد الخطاب الديني.. تفاصيل اجتماع السيسي مع مدبولي والأزهري    توجيهات بترشيد استهلاك الكهرباء والمياه داخل المنشآت التابعة ل الأوقاف في شمال سيناء    12 راحلا عن الأهلي في الانتقالات الصيفية    التحقيق في مصرع شخصين في حادث دهس تريلا بدائرى البساتين    ينطلق غدا.. تفاصيل الملتقى 22 لشباب المحافظات الحدودية ضمن مشروع "أهل مصر"    على خلفية وقف راغب علامة.. حفظ شكوى "المهن الموسيقية" ضد 4 إعلاميين    منال عوض تجتمع بالرئيس التنفيذي لجهاز تنظيم وإدارة المخلفات    الشرطة التايلاندية: 4 قتلى في إطلاق نار عشوائي بالعاصمة بانكوك    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي لأكثر من مليون فرد    كريم رمزي: فيريرا استقر على هذا الثلاثي في تشكيل الزمالك بالموسم الجديد    مفوض حقوق الإنسان يدعو لاتخاذ خطوات فورية لإنهاء الاحتلال من أراضى فلسطين    مستوطنون إسرائيليون يحرقون مركبتين فلسطينيتين وسط الضفة    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    أسعار الأسماك اليوم الإثنين 28 يوليو في سوق العبور للجملة    في مستهل زيارته لنيويورك.. وزير الخارجية يلتقي بالجالية المصرية    متحدثة الهلال الأحمر الفلسطيني: 133 ضحية للمجاعة فى غزة بينهم 87 طفلًا    رئيس جامعة القاهرة يشهد تخريج الدفعة 97 من الطلاب الوافدين بكلية طب الأسنان    المجلس الوزاري الأمني للحكومة الألمانية ينعقد اليوم لبحث التطورات المتعلقة بإسرائيل    «تغير المناخ» بالزراعة يزف بشرى سارة بشأن موعد انكسار القبة الحرارية    تعرف على مواعيد مباريات المصري بالدوري خلال الموسم الكروي الجديد    بداية فوضى أم عرض لأزمة أعمق؟ .. لماذا لم يقيل السيسي محافظ الجيزة ورؤساء الأحياء كما فعل مع قيادات الداخلية ؟    السيطرة على حريق بشقة سكنية في البلينا وإصابة 3 بحالات اختناق    جامعة العريش تنظم حفلا لتكريم أوائل الخريجين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صبري حافظ يكتب: النوم فى القفص.. قراءة مسرحية
نشر في كلمتنا يوم 13 - 08 - 2011

إذا كان 11 فبراير علامة فارقة فى تاريخ الثورة المصرية الراقية، فإن 3 أغسطس هو العلامة الفارقة الثانية فى تاريخ تلك الثورة التى لا تزال تخط طريقها لتكون واحدة من أهم ثورات العالم، وأكثرها تحضرا.
فما يميز الثورة المصرية، ويعزز سحرها وتأثيرها الطاغى على بقية العالم، هو ما يميز مصر الحضارة نفسها، أى التحضر والتمسك بالموقف الأخلاقى الأعلى، إزاء أكثر النظم استبدادا وزراية بالقانون وخيانة للوطن فى تاريخها الحديث. فلا يقل مشهد مبارك وراء القضبان أهمية عن مشهد إعلان تخليه قسرا عن منصبه، وخلعه عنه يوم 11 فبراير. يفصل بين المشهدين ستة أشهر وعدد من المليونيات التى أكدت وعى الثورة بأهدافها، وبمؤامرات أعدائها ضدها معا، وإصرارها على تحقيق شعاراتها: الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
لأن هذا المشهد، يسجل أول ظهور علنى لمبارك منذ خطابه العاطفى الركيك، عشية ما يعرف الآن بمعركة الجمل، التى برهنت على بربرية نظامه وعلى بدائيته التى تعتمد على الإبل وعلى راكبيها الذين لا يقلون غباء وبدائية عن الإبل التى يمتطونها. إنه مشهد يليق بجدارة، بمن كانت آخر معاركه هى معركة الإبل الفاشلة.
فإذا كان مصممو معركة الإبل يدركون أهمية الصورة وتأثيرها، فإن الصورة التى ظهر عليها مبارك المخلوع مسجّى وراء القضبان، بينما يحاول ابناه اللذان احتميا بسلطته حمايته من الكاميرا، أتت هى الأخرى بأثر عكسى تماما كذلك الذى أحدثه الخطاب العاطفى الركيك، والمشفوع فى الصباح التالى بهجوم البلطجية والإبل.
لذلك سأقدم هنا قراءة لدلالات هذه الصورة وللجانب المسرحى فيها، كى أكشف عن بعض محتوياتها المضمرة، وعن بعض الرسائل التى وجهتها، وقد تحولت الآن إلى أيقونة من أيقونات الثورة المصرية النبيلة. فبالرغم من نفى رئيس المحكمة الجنائية التى بدأت بمحاكمة مبارك وعصابته، المستشار أحمد رفعت، وتأكيده «نحن نجلس على كرسى القضاء وليس على منصة مسرح»، فإن ما جرى يستحق قراءة مسرحية، توظف أدوات قراءة العرض وفنون الفرجة، وسطوة الصورة فى عصر أصبحت فيه الصورة أداة أساسية لا فى نقل المعلومات فحسب، ولكن فى تحديد معايير القوة، ورسم تراتبات السلطة أيضا.
فمن يصنع الصورة، ويتحكم فيها، يستطيع أن يفرض رؤيته، وسلطته معا على متلقيها.
ولم أكن أنا وحدى من اهتم بالجانب المسرحى من المشهد، ولكن صحيفة الجارديان البريطانية وصفت ما جرى وهى تؤكد على أهميته لا لمصر وحدها، وإنما للعالم من ورائها، بأنها لحظة درامية أو تطهرية معا بالمعنى الأرسطى للمصطلح، وأنها أحد أهم اللحظات التى أسفر عنها هذا العام فى العالم.
فالتطهر بالمفهوم الأرسطى هو الأثر الناجم عن الخوف والشفقة التى يولدها فى نفس الجمهور سقوط البطل فى المأساة. لأننا أمام لحظة انقلاب درامى حقيقية، تسفر عن وضع مبارك فى القفص كرد على وضعه مصر كلها فى قفص الهوان والتردى والتبعية للعدو الصهيونى البغيض. إنها لحظة انقلاب كامل أصبح فيها من كانوا يتصورون أنهم وضعوا الشعب المصرى فى قفص، وأن باستطاعتهم التحكم فيه بعد قهره، وتوريثه لأبنائهم هم الذين يتحركون فى القفص: محمد حسنى السيد إبراهيم مبارك وولداه علاء، وجمال الذى توهم أنه سيرث مصر عن أبيه.
والواقع أن الانقلاب الدرامى الذى تفضح فيه الصورة الخطاب من أهم مظاهر الصورة التى انتجها ربيع الثورات العربية. من صورة القذافى المجنون وهو يصرخ من فوق أطلال خرابته، ويتوعد شعبه الذى يصفه بالجرذان بأنه سيطارده «زنقة زنقة»، وقد أصبح هو الآن الجرذ المطارد فى مجارير المياه «زنقة زنقة».
إلى صورة بشار الأسد الذى ورث الحكم عن أبيه، وامتنع نظامه عن إطلاق رصاصة واحدة ضد العدو فى الجولان لأكثر من أربعين عاما، ثم فتح نيران الجيش الثقيلة، وحرك دباباته ضد المدن السورية! بشار المغيب عما يدور حوله، وهو يصعد المنبر متعاميا عن الدم الذى ولغت فيه أقدام من حضروا للتصفيق لخطاباته المكرورة التى تفضحها صور المظاهرات. إلى صورة على عبدالله صالح الذى اسوّد وجهه، واحترق جسده، وكأنما ضربته صاعقة الثورة الشعبية، وإن لم تجهز عليه بعد. كل هذه الصور التى يتعرى فى ضوئها الخطاب الرسمى كعاهة، هى جزء من مفردات خطاب الحرية والكرامة الجديد الذى طرحته الثورة فى الساحة العربية الواسعة.
فما هى دلالات الصورة التى ظهر عليها النائم فى القفص؟ لقد ظهر مبارك بشعره المصبوغ وذقنه الحليق وساعته الغالية، وحركاته التى لا تنم عن أنها حركات مريض، وإنما حركات متمارض.
فتمثيلية التمارض جربها قبله مستبدون من عينة جزار تشيلى بينوشيه، وأفلتوا بسببها من المحاكمة فى بريطانيا قبل سنوات. ولكن تمثيل مبارك كان رديئا، إخلاصا لتاريخ طويل من رداءة الأقوال والأفعال. فقد دفع محاموه بعدم قدرته على الوقوف أمام المحكمة، فما كان منه إلا التمدد على سرير فى القفص، يلعب بأصبعه فى وجهه تارة، وفى وسخ أنفه أخرى. وقد توهم أن ظهوره على هذه الشاكلة المشينة قد يستدر العطف عليه. أما الولدان: علاء وجمال وقد ارتديا «أوفرول» السجن الأبيض، فقد رفضا المقاعد ووقفا حائطا يسعى جاهدا لحماية أبيهم من كاميرات التصوير. فلا تعرف إن كان الولدان يخفيان أبيهما كعار؟ أم يحجبان عنه عبء الموقف وهوانه؟ وهما اللذان استظلا بفىء سلطته، واختفيا وراء جبروتها المطلق ينهبون مصر حتى دمروها. فبعد أن كان الابنان يختفيان وراء الأب، ها هما يبذلان جهدهما لإخفائه كعار، وهما من جلب له قسما كبيرا من العار الذى يرفل فيه الآن، وهو انقلاب يكشف عن تحول أكبر فى علاقات القوة التى عاث الأب وابناه بها فى مصر فسادا، ثم أصبحوا الآن جميعا فى القفص ملاحقين بما اقترفت أيديهم. يكاد بياض ملابسهم ينطق بسواد أفعالهم.
وما إن نادى القاضى على المتهم الأول، حتى جاء الصوت قويا منتبها مسيطرا على كل كلمة: «أفندم! أنا موجود» ليس فقط بوضوح النبرة المتغطرسة، ولكن أيضا بقوة مفرداتها العسكرية «أفندم!» ثم جاءت الجملة التالية حاسمة لأى شك: «كل هذه الاتهامات أنا أنكرها كاملة» لتكشف لنا أننا أمام ممثل ردىء، وليس أمام مريض ضعضعه الوهن. وبدأ بعدها التناقض بين المظهر والمخبر فى الإعلان عن نفسه، حتى أكملت بقية الفصول عمق التناقض، وحولت المسرحية إلى مهزلة.
فقد كانت القاعة تغص بالمحامين، فى أروابهم المسرحية.
ولكن الغريب أن فريق المحامين الذين يتولون الدفاع عن المتهم وحفنة من أفراد عصابته، كان كبيرا ومن أشهر المحامين فى أروابهم القشيبة، بينما كان فريق الادعاء عن الضحايا، من صغار المحامين وليس فى طاقة أغلبهم اقتناء الأرواب الغالية. بل كان عددهم لمرارة المفارقة (إذ يمثلون أكثر من ألف مدع، بما فيهم الحق العام أى حق المجتمع المصرى بملايينه الثمانين) أقل من عدد محاميى المتهم وعصابته، إذ بقى عدد كبير منهم خارج قاعة المحكمة غير قادرين على دخولها.
وسرعان ما حول تراكم التناقضات المأساة الرامية لإثارة الشفقة والتطهر إلى مزيج من الفارس، الذى يلجأ للهزل والمبالغات العبثية، والجروتيسك الذى يعتمد على التشويه المتعمد والسخرية والقبح الذى تكفل مبارك بتزويد الجمهور به وهو «يلعب فى مناخيره». وأكمل المحامون مزيج الفارس والجروتيسك. فبعد أن طلب محامى المتهم الاستماع لأقوال أكثر من ألف شاهد، جلب أحد محاميى الضحايا معه «ختّامة» مطالبا برفع بصمات مبارك المخلوع ونجليه، وهناك من صرخ طالبا تحليل الحمض النووى له ولابنيه، للتأكد من أنه مبارك وليس شبيهه الذى يزعم أنه حل محله بعد موت الأصل عام 2004.
لكنه إذا كان هدف المأساة هو إثارة الشفقة والخوف وصولا للتطهر، فإن هدف الفارس والجروتيسك هو التسلية والضحك. فهل كان تحول المحاكمة إلى مهزلة مسرحية يستهدف تسلية الجمهور وامتصاص غضبه المتزايد؟ أم أنها الخطوة الأولى فى مسيرة متكاملة لإسقاط النظام وتحقيق أهداف الثورة؟ أم أن هذه المحاكمة ستفتح صفحة جديدة فى علاقات القوى السياسية. يصبح فيها الشعب هو مصدر كل السلطات، ولا يعلو فيها رأس، حتى لو كان رأس الحاكم نفسه، على القانون؟ هل هى محاكمة رد الاعتبار لمصر التى مرغها المتهم فى حضيض الهوان والتبعية؟ أم هى عملية تضحية برأس النظام حتى يتم الحفاظ على النظام دون تغيير؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تطرحها الصورة، وسنتريث عندها فى المقال القادم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.