ماري - سائحة فرنسية - جميلة جداً، ذهبت لتصنع خاتماً علي فص زمرد جاءت به في ورشة بالصالحية يتردد عليها حسام السيناريست الشاب، والذي تواصل - بالكاد - معها بإنجليزية ركيكة مثل إنجليزيتها، كان الحوار مضحكاً، لدرجة أن الضحك هو الذي جرأهما علي بعض، لدرجة أدهشت الخواجة سمير صاحب الورشة، وكانت الأمطار الغزيرة في الخارج قد أجلت خروجها، شربت ودخنت وذابت في غناء شرقي قديم، وفي النهاية تأبطت ذراعه، وخرجا معا، أخذاها مشياً إلي بيت صديقتها في الدقي، وعاد بمفرده آخر الليل إلي البنسيون الكئيب الذي يعيش فيه في شارع عدلي، في اليوم التالي دخلا الورشة معاً، وسافرا بعد يومين إلي دهب وبساطة في سيناء، واتفقا علي الزواج رغم عائق اللغة، بحثا معا عن غرفة في الجمالية أو الغورية يبدآن فيها الحياة، لم يكن يملك شيئا، ولكنه استطاع أن يدبر - من البلد وببعض الحيل - مبلغاً، اكتشف أنه غير كاف، صديقه القديم سلامة كان قد عاد من موسكو مهزوماً وسكن في بولاق الدكرور «في أول شارع زنين»، أقنعه سلامة بالسكن إلي جواره، وحدث ما أراد، كانت الشقة عبارة عن غرفتين في الدور الأرضي، واحدة تطل علي شارع «الكرار» الضيق والأخري في بحر الظلمات بالداخل، تم توقيع العقد في مايو 1990، قام بتبييضها، وحول حائط الغرفة المضيئة إلي مكتبة تشبه أرفف البقالين، وأتي بكنبة بلدي من البلد في مواجهتها، وأهداه هاني تليفزيوناً أبيض وأسود «بعد أن اشتري لأمه واحداً ملوناً جديداً»، وجاءته هبة بجهاز كاسيت بروحين، واتفق علي شراء سرير ودولاب وبوتاجاز بالتقسيط مع محل مجاور ولكن الضامن لم يأت لأول مرة شعر حسام أن له عنواناً وأنه يستطيع أن يتجول عاريا في مكان يخصه، نام ليلتها علي الكنبة، وحلم بماري وبمشاهد غائمة من طفولته «التي لا يعرف هل كانت سعيدة أم لا؟» وبأمطار غزيرة تطارده، وهو في غمرة الأحلام قام مفزوعا علي طرقات سلامة القوية علي الشباك وصوته الجهوري «الذي كان يقود مظاهرات السبعينيات» «إنت نايم وصدام دخل الكويت؟!». اكتملت الشقة بعد شهر، وبدأ أصدقاؤه يتوافدون، حسام عمل صحفياً ومصححاً لغوياً ومدرساً وباحثاً من الباطن، وفشل لأنه فنان وتركيبته ترفض الالتزام، هو فقط يريد أن يصنع أفلامًا ينقذها الشعر من الابتذال، رغم فشل تجربته الوحيدة، نسي موضوع ماري تماما ودخل في حكايات غريبة، في فترات عدم العمل المتقطعة الكثيرة، كان يستأجر أفلام الفيديو بكميات كبيرة ويشاهدها بمفرده أو بصحبة أصدقاء يبحثون عن «منامة»، لدرجة أن كابوساً استولي عليه ذات ليلة، كان مخيفاً، ولكن في نهايته قرأ: «طبعت الترجمة بمعامل أنيس عبيد بالقاهرة»، في الشتاء عادت ماري، وبحثت عن حسام كثيراً، ودلها الخواجة سمير علي الأماكن التي يمكن أن يوجد فيها، ذهبت إليه في «الأوديون» هي وصديقتها الفرنسية التي تجيد العربية وتعيش في مصر، انحشر صابر في الجلسة، صابر الذي لا يعترف حسام بموهبته رغم نجوميته، حسام لا يصدقه، وتوجد بينهما «غتاتة» متبادلة، ولم يتم الحديث عن شيء، صابر يجيد الفرنسية لا تعرف كيف؟ تطوع بتوصيل الجميع، في الطريق ظهرت أفكارطعام، وظل صابر يحدث ماري بالفرنسية، وألمح لحسام أنه يستطيع أن يخطفها، وحسام لا يرد، عند عقار الدقي تأهب للنزول ولكن ماري رفضت، وقام صابر بتوصيل صديقتها أولا، ولف من كوبري ثروت إلي أن أوصلهما أمام الشقة التي لا يوجد بها مكان لمطبخ، كان رأي ماري في الحرب ضد العراق مخيبا لحسام، سافرت بعد أسبوع حزين وانتهي كل شيء، بعد شهر دخل حسام الأوديون ووجد صابر وبصحبته مغنية مغربية جاءت تبحث عن الشهرة، علي يديه، كانت ثملة قليلا، التقت عيناها بعيني حسام، تصافحا وتعانقا كأنهما حبيبان، كانت الأيام قد فرقت بينهما.