أجمع المشاركون في ندوة "التعددية الثقافية والتغيير"، التي عقدت أمس الثلاثاء بالهيئة المصرية العامة للكتاب، على أن مصر تتميز بتعددها الثقافي بالمعني التاريخي الحضاري، فهناك أهل النوبة، والبدو والأمازيغ، وسكان الريف وأهل الحضر، وقالوا إن التعددية الثقافية ثمرة تطبيق الديمقراطية، على اعتبار أن العدالة تسمح بتنقل الثقافة وتنوعها من جيل إلى جيل، ولا توجد ثقافة واحدة في المجتمع، كما أكدوا أننا الآن أمام لحظة تاريخية حرجة تشهدها مصر، ولحظة تخبط في وجود بوصلة ثقافية محددة، وما حدث في مصر في العشرين سنة الأخيرة ما زلنا نعاني منه حتى الآن. شارك في الندوة د.إمام عبد الفتاح إمام أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة عين شمس، وأشرف راضي الأمين العام لمؤسسة المصريين للتنمية الثقافية، وأدارها د.أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة. الدكتور إمام عبد الفتاح إمام أكد أن التعددية الثقافية موضوع طريف لأنه جديد تماما، ورغم أنه يمثل جزءاً أساسياً من الفلسفة السياسية، ولكن لا أفلاطون ولا أرسطو قديما عرفوا شيئا عن التعددية الثقافية، ولم يعرفوا غير الثقافة اليونانية، وأرسطو كان يعتقد أن الحضارة هي في الأصل يونانية وبقية الشعوب عبيد على الرغم من أن أفلاطون زار مصر القديمة وسخر منه المصريون، وقالوا إن اليونانيين أطفال، وفي العصور الوسطى لم تخطر في ذهن أي فيلسوف في العصر الوسيط أي تعددية ثقافية ولا في العصر الحديث، وإنما لم تظهر إلا في الآونة الأخيرة، خلال 40 أو 50 سنة على الأكثر، ونستطيع القول إن التعددية الثقافية ثمرة تطبيق الديمقراطية لأنها ترى أن الأعمدة الأساسية لها هي الديمقراطية والحرية. وأضاف د.إمام أن التعددية تعبر عن الأقلية وكلمة الثقافة لا نعني بها الفنون والآداب وانما تعني باختصار شديد هي كل ما يرثه الإنسان من أجداده وينقله لأحفاده وهنا الثقافة بمعناها الواسع الشامل ومجتمع ينقل من جيل إلى جيل، وربط إمام بين التعددية والأقليات فالذي يطالب بهذه التعددية الثقافية هم الأقليات. وقال إن الاقليات في المجتمع المصري تطالب بتغيرات ثقافية تستطيع أن تؤكد بها على وجودها، مثل أهل النوبة وبدو سيناء. وقال إننا نعاني في مصر الآن من أن الديمقراطية لا تفهم في الواقع فهما سليما، فأساسها الحرية ولكن الحرية لا تعني أن تفعل ما تريد لأن ذلك يعني هدم المجتمع وليس بناءه، وكذلك فكرة المساواة وهناك فرق بين المساواة والتسوية، فالمساواة تعني مساواة اثنين أمام ثالث، وقد يكون هذا الثالث هو القانون أو العمل أو التعليم، والعدالة الديمقراطية تقتضي وجود تعددية ثقافية تنقل الثقافة وتتنوع من جيل إلى جيل ولا توجد ثقافة واحدة في المجتمع، وقريبا ستظهر الأقليات وهذا ظاهر الآن في أمريكا عند ما يسمي بالسكان الأصليين الذين نطلق عليهم الهنود الحمر، ويريدون أن ينظر لهم على أنهم أبناء البلد الحقيقيين. وقال إن أهل النوبة عانوا من كثرة التهجير، وسوف يظهر هذا الملف في المستقبل بعد أن تنال الأغلبية المصرية نفسها حقوقها وأخشى أن لا تحافظ عليها. وأبدى الدكتور إمام تخوفه من عدم حفاظ الأغلبية من المصريين على حقوقهم بعد أن ينالوها، ومن ضمنهم أهل النوبة الذين عانوا كثيرا من قسوة التهجير، مضيفا أن هذا الملف سوف يظهر ويلقى عناية أكبر في المستقبل. الدكتور أحمد زايد، أكد أن المجتمع يقوم على فكرة الصالح العام، فنحن نعيش ونتنوع في كل شيء ولا بد أن يجمع الوطن شيء اسمه الصالح العام، فإذا سار كل فرد بتفكيره سوف تتحول الحياة الاجتماعية والسياسية إلى فوضى، وأضاف زايد أنه يجب أن تكون التعددية خلاقة تدفع المجتمعات إلى الأمام، والماضي مجرد تراث نستمد منه قوة وثقة ودفعة للمستقبل، ويجب ان يصطف اصطفافا أفقيا مهما كانت المستويات الاجتماعية ومهما اختلفنا لا بد من الوقوف صفا واحدا، وهكذا بنيت المجتمعات المتحضرة. أما أشرف راضي فأكد أننا الآن أمام لحظة حرجة في تاريخ مصر، ولحظة تخبط في وجود بوصلة ثقافية محددة، وما حدث في مصر في العشرين سنة الأخيرة نعاني منه الآن، وأن الآليات التي تحققت من خلالها الهيمنة الثقافية والنظام الاستبدادي نعاني منها الآن ولن نخرج منها إلا إذا رجعنا للمربع الأول، وهو المربع الثقافي ولن نعود إلى الثقافة إلا إذا أدركنا أن الثقافة في مصر هي ثقافة تعددية، ففيها النوبة والأمازيج وثقافات بدوية وفلاحين وحضر، وندرك أن لدينا نظما معرفية. وقال راضي إن مصر متعددة ثقافيا بالمعنى التاريخي الحضاري، فهي متراكمة حضاريا وتاريخيا فتدخل طبقة حضارية على طبقة أخرى، وهذا ينتج أزمات كبيرة جدا تعبر عن نفسها في أزمة الهوية، ومن يلاحظ التحول الذي يحدث في مصر يستطيع ملاحظة أن الخيوط الثقافية المختلفة والتعددية ليست نتاجا فقط للديمقراطية وانما شرط لها فتعطي فرصا متكافئة وحقوق متساوية أمام القانون.