خصصت مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية المرموقة تقريرا مطولا احتفت فيه بجريدة التحرير التي اعتبرتها من أبناء ثورة 25 من يناير، التي أسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير الماضي. ترجمة التقرير: يتوجه إبراهيم عيسى صوب غرفة الأخبار بجريدة التحرير، أحدث مشاريعه الصحفية الجديدة المعارضة، والتي يمكن وصفها بأنها "نتاج" ثورة يناير، بالمعنى الحرفي للكلمة. نحن الآن في منتصف اليوم، وعيسى مستعد للخوض في الوجبة اليومية من القصص الخبرية، وأعمدة الرأي، والرسوم الكاريكاتورية الساخرة التي تبدو مصممة لتجعل من هذه الصحيفة التي تصدر في حجم التابلويد سجلا للديموجرافيا المعروفة في هذا البلد ب"شباب الثورة." يرتدي عيسى حمالتي البنطلون المميزتين ذات اللون البني ويهتز شاربه المقوس عندما يحيي موظفة الاستقبال ورئيس القسم الخارجي ومدير التحرير. يتحث عيسى عن نفسه باعتباره الأقدم بين هيئة تحرير الصحيفة، وهو يوضح بعد ذلك أن صفة الشباب والحيوية مثار فخر في مصر التي يحكمها نظام هرم، حيث عين الرئيس الثمانيني مساعدين له في سبعينيات العمر لإدارة دولته البوليسية، فالمشير محمد طنطاوي، وهو القائد الحالي للبلد، في ربيعه ال75. انطلقت التحرير في بداية يوليو بعد شهور من التخطيط. والصحيفة عازمة على تحدي السلطوية والفساد وتجاوز أي خطوط يسعى حكام مصر لرسمها حول صحافة حرة. يقول عيسى متحدثا عن الصحيفة في مكتبه الصغير الواقع في أحد جوانب الجريدة، "في السابق، كان مبارك هو الخط الأحمر،" مضيفا: "الآن المجلس الأعلى للقوات المسلحة حل محل مبارك. وهم لا يريدون لأي أحد أن ينتقدهم بشكل مباشر." عيسى لا يزال صاحب الصوت الأعلى في حديقة حرية التعبير المصرية التي مازالت في بداياتها. فالصحفي المخضرم، وهو في ربيعه ال45، ربما يفخر بكونه الصحفي المصري الأكثر شجاعة. فخلال سنوات حكم الرئيس حسني مبارك، الطويلة، تعرض عيسى للفصل من نحو 12 وظيفه وحطم كل الخطوط الحمراء تقريبا. في 2007، تلقى عقوبة السجن عاما لكتابته عن تدهور صحة مبارك، التي كانت تعامل باعتبارها من أسرار الدولة (العقوبة ألغيت بعد استئناف الحكم لكن القضية نجحت في تكميم الصحافة المصرية.) أدار عيسى لخمس سنوات، الجريدة الأكثر حيوية في مصر -الدستور- ليجعل منها تهديدا كافيا، لدرجة أنه في أكتوبر من العام 2010، اشترى أحد أصفياء مبارك الجريدة وقام بفصل عيسى في اليوم التالي. رحل مبارك، لكن نظام التحكم والرقابة على الاعلام الذي حكم من خلاله وأسكت المعارضة لم يرحل. فالجرائد المطبوعة مهمشة وكل الصحف يجري طباعتها عبر مؤسستين صحفيتين تابعتين للدولة، حيث تباع الجرائد اليومية بجنيه واحد. ولحد اليوم، ما تزال وسائل الإعلام الحكومية تتلقى الأوامر من الجنرالات الحاكمة، متجاهلة قصصا عن التعذيب وتواطؤ القضاء بينما تنشر بشكر مستمر موضوعات غير مؤكدة أو مفبركة بوضوح عن نشطاء الثورة. وفي الشهور الأخيرة جرى استدعاء مدونين وصحفيين من مختلف الصحف والمحطات التلفزيونية لاستجوابهم بعد نشر موضوعات لم ترضي الجنرالات الممسكين بدفة الحكم في مصر. ألقى الجيش القبض على مدونين اثنين على الأقل، هما مايكل نبيل الذي تلقى عقوبة بالسجن 3 سنوات لنشره انتقادات للجيش على شبكة الانترنت ولؤي نجاتي الذي اعتقل بنهاية يونيو وكان من المحتمل أن يواجه محاكمة عسكرية حتى الإفراج عنه أمس. لكن الصحفيون المعارضون يقاومون, فقد صدرت صحيفة أخرى هي "اليوم السابع" منذ ثورة يناير، بالتزامن مع محطة تلفزيونية مستقلة تحمل اسم "التحرير." وفي مواجهة هذه الخلفية، يأمل عيسى بوضع إصداره الجديد في طليعة الثورة. يقول: "هناك مليون مستخدم لفيسبوك ونصف مليون شخص على توتير في مصر. هؤلاء هم جمهوري المستهدف. وهذه الصحيفة ساخرة وتهكمية. إنها ليست معنية فعلا بالجيل القديم." ويضيف: "الصحف ووكالات الأنباء الرسمية ليس لها تأثير. وإذا كان لها أي تأثير، ما كانت ثورة 25 يناير لتحدث." حصل عيسى على دعم مالي من قطب الإعلام المصري إبراهيم المعلم، وجمع هيئة تحرير مؤلفة من 150 صحفيا، يبلغ متوسط أعمارهم 30 عاما. ويقول عيسى: "نصف هؤلاء الصحفيين كانوا في ميدان التحرير أثناء الثورة." أطلت أول أعداد جريدة التحرير على الجمهور المصري يوم الأحد ب120 ألف نسخة. وسينطلق الموقع الإلكتروني في غضون أسابيع قليلة، لكن المحررين ينشرون معظم الموضوعات على حساب الصحيفة على موقع فيسبوك. وحملت الأعداد الأولى تغطية لاذعة عن سوء إدارة الدولة لمحاكمات مسئولي النظام السابق، والاشتباكات مع الشرطة في 28 يونيو التي جرح خلالها أكثر من 1000 متظاهر، وهي أسوأ أعمال عنف من نوعها منذ تنحي مبارك. تبرز الترويسة اسم الجريدة مكتوبا بالخط العربي التقليدي ومربعات للإشارة إلى مقالات يكتبها كتاب ومثقفون معروفون. ويجمع الجزء المتبقي من الصفحة الأولى بين الفكاهة المصرية وجمال شاشة هاتف "آي فون." وتتزاحم القصص الخبرية مع رسم كاريكاتوري ضخم ملون ولقطتين تظهران تعليقات من فيسبوك وتويتر. الجانب السياسي يغلب على بعض اللقطات، مثل رسم كاريكتوري يظهر مسئولين من الشرطة السرية الغامضة يطردون الشخصيتين الخارقتين سوبرمان وباتمان في وقت الحاجة بالنسبة إلى مصر، ويختارون بدلا منهما أن يستأجرا بلطجية لحل مشكلات البلد. فيما تميل لقطات أخرى إلى الماضي مثل النكات. فتقول إحداها وهي منقولة عن أحد القراء على فيسبوك: انا اتولدت ايام مكان قوس قزح ابيض واسود،" ويرد صاحبه: "طب منا اتولدت ايام مكان البحر الميت لسه تعبان." تحتل جريدة التحرير طابقين من مبنى بسيط في الدقي، وهو حي يسكنه أبناء الطبقة المتوسطة. حوائط جميع المكاتب من الزجاج ومن بينها مكتب عيسى. ولا يوجد مساحة تتسع لمكتب غير مستغلة. التكييف المركزي يجعل المكاتب باردة حتى في حر الصيف الشديد، وفي مخالفة صادمة لما تعود عليه الصحفيون، لا يسمح بالتدخين في أي مكان بالجريدة. يستعير خالد داوود، وهو محرر أول بصحيفة "الأهرام ويكلي" الصادرة بالإنجليزية، ركنا بغرفة الاجتماعات لكتابة مراجعة لأحد الكتب. وعلى الرغم من أن جريدة الأهرام اليومية تعد لسان النظام البائد وهي في طريقها للاحتضار بشكل كبير، إلا أن العديد من الموظفين العاملين بها مثل "داوود" متعاطفون مع الثورة ومع جريدة "التحرير" التي تعد بمثابة ضوء القمر للإصدارات المعارضة. يقول داوود: "مازالت الإصدارات الرسمية تعتبر نفسها ناطقة باسم النظام، وليست مراقبة له..ولكي تكون هذه ثورة حقيقية، ستكون هناك حاجة للمزيد من التمرد على الماضي." والآن، يقول عيسى إن نفس الأشخاص الذين كانوا ينتقدون مبارك، مازالوا في طليعة الخطاب السياسي المعارض. وفي النهاية، نجحت أقلية صغيرة من النشطاء المصريين في إسقاط مبارك، وهؤلاء هم أنفسهم الذين من الممكن أن ينجحوا في إنهاء النظام الذي أنشأه والذي مازال متحكما. ويأمل عيسى بأن تكون "التحرير" سجلا يؤرخ لهؤلاء النشطاء، وأن تكون في بعض المناسبات مصدر إلهام لهم. على أن ما وضح حتى الآن، بحسب عيسى، الذي يقول بنبرة يكسوها الرضا، هو أن ن مؤسسات مبارك الإعلامية العملاقة، رغم تغلغلها وهيمنتها، فشلت في احتكار وعي جمهورها من المواطنين المصريين. يقول عيسى: "الصحف ووكالات الأنباء الرسمية ليس لها تأثير، وإذا كان لها أي تأثير لما قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير أبدا..الفكرة الاستبدادية بأن وسائل الإعلام الحكومية الضخمة لديها تأثير حقيقي، وأسطورة ال‘بيج براذرز' مكانها المتحف." لقراءة نص التقرير بالإنجليزية: http://www.theatlantic.com/international/archive/2011/07/still-pushing-the-boundaries-egypts-new-free-press/241584/