الفضائح الأخلاقية التي يواجهها كبار المسئولين الاقتصاديين، أصبحت -فيما يبدو- مشهداً متكرراً على ساحة الدولية، فبعد أن شهد البنك الدولي استقالة مديره السابق "بول ولفوفيتز" الذي اتهم في مايو 2007 بمنح موظفة سابقة لديه علاوات غير مستحقة، على خلفية علاقة سابقة كانت تربطه بها؛ ها هو "دومينيك ستراوس كان" (62 عاماً)، مدير صندوق النقد الدولي والمرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة الفرنسية، يواجه اتهاماً رسمياً بالاغتصاب، وسط مزاعم بأنه ضحية لحملة تشهير تهدف لتشويه صورته. تجدر الإشارة إلى أن تلك ليست الفضيحة الأولى في سجل المسئول الكبير؛ حيث خضع للتحقيق عام 2008 بتهمة إقامة علاقة حميمة مع موظفة؛ في حين لم تتمكن التحقيقات من إثبات وجود خلفيات جرمية للعلاقة. وقدم ستراوس في وقت لاحق اعتذاراً لموظفيه ولبيروسكا ناجي - المرأة التي كان على علاقة معها- ولزوجته آن سينكلير، للمشكلات التي سببها لهم؛ نافياً استغلاله لمنصبه؛ وفقاً لما ذكرته شبكة BBC.
يأتي هذا في الوقت الذي تتبادر فيه احتمالات بأن يكون سترواس ضحية لحملة "ألاعيب قذرة"؛ على حد وصف جان ماري جوان -السياسي اليساري الفرنسي وأحد أقرب حلفاء ستراوس- وتلك الحملة يقوم بها معسكر الرئيس الفرنسي المنافس نيكولا ساركوزي. وقال جوان: "تجري الآن حملة منسقة ومدبرة أعلن ساركوزي تفاصيلها لحلفائه المقربين؛ موضحاً أن قصر الإليزيه أعلن منذ أشهر نيته تشويه شخصيته." ومن المعروف أن ستراوس الذي كان يتقدم في استطلاعات الرأي في فرنسا على حساب ساركوزي فيما يخص نوايا الناخبين في انتخابات الرئاسة المقبلة، قرر مقاضاة الصحف التي صورته وكأنه يعيش حياة بذخ ورفاهية. غير أن ناطقاً باسم الرئاسة الفرنسية، علّق لدى سؤاله عن هذه الاتهامات من قبل وكالة رويترز للأنباء؛ قائلاً: "لا تعليق لنا على هذه الادعاءات." ومن جانبه وصف رينو موزلي -النائب عن حزب ساركوزي في الجمعية الوطنية الفرنسية- الاتهام الموجه لستراوس، بأنه يمثل كارثة لصورة فرنسا؛ لأن كان رئيس صندوق النقد الدولي، وهذا وسيغير وضع معركة التنافس على منصب الرئاسة. وتوقع محللون سياسيون فرنسيون أن الاتهام الموجه ل"كان" سيحصر معركة المنافسة على الترشح داخل الحزب الاشتراكي بين مرشحين اثنين هما: مارتن أوبيري وفرانسوا هولاند؛ مرجحين أنه سيقضي على فرصه في خوض غمار المنافسة سواء داخل الحزب أم البقاء في منصبه الحالي. وكان جان فيل، محامي ستراوس كان، قد قال يوم الجمعة الماضي إنه تلقى طلبا من موكله بالبدء في اجراءات مقاضاة صحيفة فرنسية لنشرها معلومات كاذبة عن حياته الخاصة. قائمة اتهامات ستراوس التي تضم تهم: التحرش الجنسي ومحاولة ارتكاب جريمة الاغتصاب والاحتجاز اللاقانوني، جاءت على إثر بلاغ مقدم ضده من عاملة قسم خدمة الغرف بالفندق الذي كان يقيم فيه بحي مانهاتن. وكانت صحيفة نيويورك تايمز قد ذكرت أن ستراوس -الذي يخضع الآن للاستجواب- قد اعتقل في نيويورك أمس (السبت)، واقتيد إلى الحجز في مطار كنيدي الدولي بعد إرغامه على النزول من على متن طائرة تابعة ل"إير فرانس" كانت تستعد للانطلاق إلى باريس، بعد أن أبلغت عاملة الفندق عن الحادث. وبحسب ما ذكرته شرطة نيويورك، فإن عاملة الفندق (32 عاماً) التي تخضع للعلاج بمستشفى روزفلت؛ جراء الإصابات الطفيفة التي لحقت بها، زعمت أنها دخلت الغرفة لتنظيفها، فوجدت ستراوس في الداخل وهو عارٍ تماماً، وأفادت العاملة -التي لم يُكشف عن اسمها- أن ستراوس حاول التهجم عليها، على حد قولها؛ ولكنها فرت منه ولجأت إلى مكتب الاستقبال الذي قام الموظفون فيه بالاتصال بالشرطة؛ لكن بعد وصول عناصر الأمن إلى المكان اكتشفوا أن ستراوس غادر الفندق؛ ولكنه نسي هاتفه المحمول في الغرفة. وقالت شرطة نيويورك إن ستراوس رفض الرد على أسئلة المحققين، كما امتنع عن إصدار أي بيان لشرح موقفه؛ فيما أكد محاميه أن موكله ينكر كل التهم الموجهة إليه. ومن جانبها رفضت آن سينكلير (63 عاماً) -زوجة ستراوس- تصديق ما يتردد من تهم مزعومة ضد زوجها رئيس صندوق النقد. وأكدت الصحفية والإعلامية الفرنسية البارزة التي وصفتها صحيفة ديلي ميل ب"الزوجة المخلصة" أنها لن تتخلى عن زوجها لآخر لحظة؛ رغم أنه يواجه تهمة الاغتصاب. وقالت إنها لا تشك للحظة واحدة في برائته التي ستتضح قريبا؛ مطالبة بما وصفته باللياقة والانضباط في التغطيات الصحفية التي تتعلق بالفضائح. ورغم أنه لم يعبّر عن نيته لعب أي دور سياسي، فإن ستراوس دخل -بفضل الصحافة- إلى حلبة المنافسة على رئاسة فرنسا؛ حيث أظهرت استطلاعات أولية للرأي إلى أنه المرشح الأفضل في مواجهة نيكولا ساركوزي -الرئيس الحالي- في الانتخابات الرئاسية الفرنسية في إبريل عام 2012، إذا نال دعم الحزب الاشتراكي. يُذكر أن ستراوس أحد أبرز وزراء المالية في الحكومات الفرنسية السابقة، وكان عضواً في الجمعية الوطنية الفرنسية وأستاذاً للاقتصاد في معهد الدراسات السياسية بباريس، قبل أن يترأس صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2007، وتزامنت ولايته مع التزايد الكبير الذي شهده دور الصندوق؛ بسبب الأزمة المالية العالمية.