رجال الشرطة في معظمهم، مظلومون مع هذا النظام، ويعانون، ربما أكثر مما يعانيه المواطن العادي، ولكن البعض منهم يدفعه غضبه، وتدفعه معاناته، أو يدفعه عجزه، إلي إساءة معاملة المواطنين، والتكبر والتجبر عليهم، بمناسبة وبدون مناسبة، وتأتي فرصته الكبري، عندما يلقي القبض علي متهم ما، فيطلق لغضبه وساديته عليه العنان، بدءاً من المهانة في إلقاء القبض، حتي التعذيب والوحشية والشراسة في استجوابه، ومعظم رجال الشرطة لا يرون أي تجاوز، في دفعهم المخبرين لضرب المتهمين علي أقفيتهم، باعتبار أن هذا متهم، ومن الأسهل إهانته وتخويفه حتي يعترف، حتي لو كان الدستور والقانون يمنعان هذا، وحتي لو كان ميثاق حقوق الإنسان يجرمه، وحجتهم في هذا أنهم يتعاملون مع مجرمين، لا يمكنهم استيعاب إلا هذا الأسلوب. والعيب هنا ليس في رجال الشرطة، بل في النظام نفسه، الذي يقف خلف الأمن، كوسيلة وحيدة للبقاء في السلطة، وسط شعب يكرهه، باعتباره محتلاً من الداخل، فلو أنه تعامل مع الأمر بصرامة، وعاقب رجل الشرطة، الذي يمارس هذا، عقوبة علنية قاسية، ولو أنه يؤمن حقاً بحرية الإنسان وكرامته، لما جرؤ رجل شرطة واحد علي مخالفة القانون علي هذا النحو السافر. ولو اشترط القانون، كما يحدث في عالم المخابرات، أن يكون هناك وكيل نيابة، في لحظة القبض علي المتهمين ؛ لاختلفت الصورة تماماً، ولكن هذا أمر عسير جداً وغير عملي، والأسهل أن تكون هناك عقوبات صارمة للغاية، علي كل من يعتدي علي حرية الإنسان أو كرامته، ولكن السؤال هو : هل يحقق هذا غاية النظام في البقاء، إلي أبد الآبدين ؟!.. الجواب هو: كلا بالطبع، فالنظام لا يعنيه الشعب، ولا تعنيه حرية المواطن أو كرامته، أو حتي حياته... النظام يعنيه فقط بقاءه، باعتبار أن مقعد السلطة هو الضمان الوحيد للكرامة في مصر، وباعتبار أن السلطة، وفقاً للدستور العجيب الذي لا مثيل له وسط كل دساتير الدول الحرة الديمقراطية، كلها في قبضة رجل واحد، يتعامل أمنه باعتبار أن الشعب كله عدو له، ثم ينجح بعدها بنسبة توحي بأن الشعب كله يعشقه... ولهذا تفسير.