هل يستغرب أحد الجهد الرهيب الذي بذله نتانياهو لدي الأمريكان طلباً لتدخلهم العاجل من أجل منع سقوط حسني مبارك بعدما ثار عليه شعبه و طالبه بالرحيل ؟. و هل يستغرب أحد حالة اللوعة الممزوجة بالهلع، و التحرك المحموم الذي قام به زعماء عرب يشبهون مبارك من أجل إيواء المخلوع عندهم و ليس عند سواهم، و ذلك لإبعاده عن قبضة شعبه و منعهم من تقديمه للمحاكمة؟..و كذلك العروض المالية السخية التي تناثرت أخبارها، و المليارات المرصودة من أجل دهس العدالة بالأحذية و منع سيف القانون من أن يصل إلي حبيبهم الطاغية المجرم. لا أظن أحداً يستغرب من هكذا سلوك و هكذا مشاعر، فلقد كان ذلك علي الدوام هو سلوك كبار رجال العصابات سواء المحليون منهم أو الدوليون عندما يسقط أحد الصبيان. إنهم لم يكونوا يتخلون أبداً عن الصبي الذي طالما عمل في خدمتهم و أدي لهم أقذر الأدوار. و هذه بالطبع ليست نبالة سلوك بقدر ما هي تحرك غريزي للدفاع عن النفس، و رغبة في أن يكون سلوكهم مثالاً و رسالة موجهة للصبيان الآخرين، و حتي يعلم جميع أفراد العصابة أنهم يمثلون عائلة واحدة متماسكة قد اجتمعت علي الضلال، و ربط الإجرام و الوساخة بين أفرادها برباط أقوي من روابط الدم! و أيضاً حتي يكون الأمر واضحاً بأن أفراد العصابة سيظلون في حدقات العيون و في بؤرة الإهتمام مهما حدث، و أن بيوتهم و زوجاتهم و أبناءهم سوف تكون تحت رعاية المعلم حتي يفك الله زنقة الصبي الأزعر!. و ربما أن هذا ما يفسر أيضاً حالة الهستيريا التي تجتاح وزارة الداخلية بمصر حتي بعد الثورة و بعد سقوط النظام كلما حل موعد محاكمة أحد حيوانات شرطة مبارك المفترسة...فمرة يتهرب رجال البوليس من تأمين مكان المحاكمة و يتركون المحكمة بدون شرطة حتي يجد القاضي نفسه مضطراً للتأجيل، و بهذا تكون الفرصة أكبر في مساعدة المتهمين علي الإفلات من العقاب سواء عن طريق ترتيب و تستيف الأوراق التي تهدر القضية أو بالنجاح في تهريبهم خارج البلاد...و مرة يفرضون كردوناً من الأمن المركزي حول قفص الإتهام لإخفاء زملاءهم عن العيون و حمايتهم من نظرات الضحايا!... و مرة ثالثة بالسماح للمتهمين من رجال الشرطة المحبوسين بالحضور للمحاكمة مرتدين ملابسهم الرسمية التي كانوا يرتدونها وقت أن كانوا في الخدمة يرتكبون ما شاؤوا من جرائم..مع أن لبس السجن الأبيض الخاص بالمحبوسين إحتياطياً هو ما يتعين إرتداؤه بنص القانون!. و في نفس هذا الإطار يمكننا أن نتحدث عن المعاملة التي لقيها أفراد عصابة مبارك المحبوسين بسجن طرة، فلقد رأينا أعضاء التشكيل العصابي من الوزراء و المسؤولين واحداً واحداً و هم يركبون سيارات الترحيلات التي حملتهم إلي سجن طرة، و رأينا صور بعضهم بملابس السجن البيضاء مثل أحمد عز و زهير جرانة و أحمد المغربي و هم داخل القفص، و لمحنا حراس صفوت الشريف و هم يحاولون تغطيته و فرد جاكت أمام وجهه و هو خارج من غرفة التحقيق حتي لا يراه شعب مصر، لكننا رأيناه رغم ذلك و علامات الذل و الحسرة ترتسم علي وجهه. و كذلك فتحي سرور و أحمد نظيف اللذان تابعتهما الكاميرات و نقلت لنا انكسارهما و سوء مآلهما. إلا واحد فقط....واحد فقط من العصابة لم نره أبداً و لم تتسرب بشأنه أي صورة سواء من مكان التحقيق بمقر النيابة و أو بجهاز الكسب غير المشروع أو بسجن طرة. واحد فقط حرصت الأجهزة الأمنية علي أن تحفظه من عيون الشامتين و تفرض عليه حماية لا يستحقها أمثاله من القتلة اللصوص. واحد فقط كان استثناء من بين جميع أفراد شلة مبارك الأب و مبارك الإبن اجتهدت وزارة الداخلية في منحه دلالاً زائداً و وضعاً مميزاً و تكريماً لا يستحقه ..ذلك هو السيد حبيب العادلي وزير داخلية مبارك الذي يضم ملفه ارتكاب جرائم ضد الإنسانية كالقتل الجماعي و التعذيب، بخلاف السرقة و التربح و الإختلاس و نهب المال العام. و الواقع أن كل كل ما سبق لا يفسره إلا حقيقة واضحة ساطعة كالشمس تؤكد أنه مثلما أن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً...فكذلك المجرم للمجرم!.