أدعوكم أن تدخلوا علي الموقع الإلكتروني_ ال (Web site) _الخاص بجريدة الدستور عدد الجمعة الماضي 15 يناير لتقرأوا التعليقات التي جاءت من القراء علي المقال الذي ناديت فيه ببعض الإجراءات التي من الممكن أن تساهم في تعميق مفهوم المواطنة قبل أن تغتالنا روح الفتنة الطائفية التي بدأت تنتشر كالسرطان في مصر، وكان من ضمن الاقتراحات «إلغاء تدريس التربية الدينية من المناهج التعليمية» والتي تسبب عزله وفرقه بين الأطفال، وإيجاد مادة واحدة بديلة تغرس القيم والمبادئ الدينية دون عزلهم. وجاءت التعليقات في معظمها ثائرة وغاضبة ومتعصبة إلا قليلاً.. وهو ما دفعني للتعقيب. ........... ذكر أحد القراء- بلغة الاتهام - إنني علماني وأعمل لصالح الغرب!! والحقيقة أن «العلمانية» تهمه لا أنكرها وشرف لا أدعيه. أما إنني أعمل لصالح الغرب، فأقول له إن الغرب لا يضعنا في «دماغه» إلي هذه الدرجة حتي يجند مثقفي مصر لترويج أفكارهم، ثم أن ما ندعو إليه هو وحدة مصر حتي تتقدم.. فهل هذا التقدم سيفيد الغرب من قريب أو بعيد بشيء؟! كفانا تفكير بروح المؤامرة.. فإذا قلنا أوقفوا «ختان الإناث» يقولوا دول عملاء للغرب وهذه دعوة غريبة! وهو الغرب ح يستفيد إيه من ختان أو عدم ختان الإناث؟!وإذا قلنا مواطنة ومحاربة الفتنة يقولوا عملاء!! يا إخوانا حرام عليكم.. أرجو أن تُعملوا «العقل» ولو قليلاً.. انظروا إلي موقعنا وسط العالم.. الدنيا كلها عماله تتقدم وإحنا بنرجع لورا بتلك المفاهيم. ألم يقل قديماً أحد علماء الإسلام إنه رأي في الغرب إسلاماً بلا مسلمين، ويري هنا مسلمين بلا إسلام؟! وتعال أعطيك مثلاً لتقدم الغرب ومفاهيمه الراقية التي ترفضها سعادتك لنتعلم كيف يحترم الإنسان عقيدة الآخر وحرية الاعتقاد كما تنادي بها الأديان والدساتير. منذ شهور قليلة مثلاً ذهبت أم مسلمة إلي مدرسة في الفاتيكان - وديانة البلد الرسمية هي المسيحية - وقدمت شكوي أن هناك «صليبا» مُعلقاً في الفصل التي تدرس به ابنتها وهذا نوع من التمييز، فما كانت من إدارة المدرسة إلا إصدار قراراً برفع كل «الصلبان» الموجودة بالفصول مراعاة لشعور الأديان الأخري حتي ولو عدد تلاميذ هذه الأديان هي الأقلية! هكذا وببساطه ودون تشنج أو تعصب تمت معالجة الأمر. .. ولو تتذكرون أيضاً قضية الفتاتين المسلمتين المحجبتين اللتين مُنعتا من دخول المدرسة في فرنسا إلا بعد خلع الحجاب لعدم التمييز. بل إن الدولة وقتها - فرنسا طبعاً - أصدرت قراراً بعدم ارتداء «عمة» يهودية أو «صليب» مسيحي أو«حجاب» إسلامي حتي لا يتميز أحد عن أحد. هكذا وببساطة تمت معالجة الأمر أيضا دون تشنج أو تعصب طائفي. بل إن فرنسا نفسها لم تفعل شيئاً عندما أسلم أحد كبار فلاسفتها (جارودي)، فهذه حرية شخصية ومسألة خاصة بينه وبين ربه. في حين أنه لو تنصر عامل مراحيض هنا لقامت الدنيا ولا تقعد حتي يُهدر دمه. ليس هذا فقط بل من يفتح حواراً ويجتهد فكرياً ويختلف يُتهم بالردة ويستوجب القصاص منه وهدر دمه، ولعل نصر حامد أبو زيد خير مثال علي ما أقول! قراء آخرون يرون أن ما حدث في «نجع حمادي» هو رد فعل لما فعله شاب مسيحي باغتصابه فتاة مسلمة. وأتساءل هل وصل بنا الأمر إلي هذا الحال؟! ما علاقة جريمة اغتصاب بالدين؟! وما علاقة قتل أبرياء مصلين يحتفلون في كنيستهم بعيد الميلاد بشاب مغتصب عليه أن يُعاقب قانوناً بأقصي عقوبة ؟!. وهل لو كان هذا الشاب مسلماً كان سيتجه «الكموني» - مرتكب الجريمة في نجع حمادي - إلي المصلين في فجر عيد الأضحي ويفتح عليهم النار انتقاماً لشرف البنت؟! لا ده كثير إن إحنا نوصل للمرحلة دي. من ضمن تعليقات القراء - الإيجابية القليلة - تلك التي يشير فيها أحدهم إلي أن ما جاء من تعليقات سلبية علي مقال الأسبوع الماضي هو ما يؤكد أننا وصلنا إلي مرحلة متدنية من التطرف الفكري لدرجة أن أحدهم كتب لي هذه الكلمات بالضبط: - يابا أنت بتنفخ في إربة مخرومة!! وأنا بأ قوله «لازم نسد الإربة بأي طريقة لإنها في النهاية ح تخٌر وتتطين علي دماغنا كلنا! - رأي قارئ آخر أن ما يحدث في مصر هو مشابه لما يحدث في سويسرا مثلاً عندما تم التصويت علي عدم بناء مآذن الجوامع هناك. وهنا أقول له لأ استني شوية بأه.. وكفاية خلط الأوراق وكفاية إيجاد مبررات لا معني لها. فما حدث ما هو إلا استفتاء شعبي علي المآذن من الناحية المعمارية ولم يتهموا أو يزدروا الإسلام في شيء! فلم يحرقوا المساجد أو يقتلوا المسلمين بعد صلاتهم.. ولم يقولوا إن المسلمين هم أقلية وأجانب واردون من الخارج وليسوا شركاء وطن وهو عكس الحال لأقباط مصر. بل إن المسلمين المقيمين بسويسرا قالوا لنا أرجوكم ارفعوا أيديكم يا عرب عنا ودعونا نحل المسألة مع سويسرا بالطرق المتحضرة التي اعتادوها هناك.. وذلك لأنهم يدركون أن تشنجنا الإعلامي والشعبي يُزيد من المشكلة لا يحلها. بل إن التساؤل المهم هنا.. هو: ليه مش بنتشملل أوي كده ونسمع نفس الأصوات عندما ينادي الأقباط ببناء كنائس ولا يُسمح لهم في مصر؟! رغم أن عدد المسلمين بسويسرا (300 ألف مسلم فقط) وعدد الأقباط في مصر بالملايين؟! .. التعليقات التي جاءت علي مقال الأسبوع الماضي والتي تخطت الخمسة عشر صفحة علي النت، لابد أن توضع أمام المسئولين والمختصين ليعلموا ما آل إليه الحال لعينة من أفراد الوطن تعكس التفكير السائد في الشعب المصري. فإن كنت عرضت وجهة نظري كمواطن مصري غيور علي هذا البلد، ولن يزايد أحد علي وطنيتي، فقد جاءت تلك التعليقات كبالون اختبار لما في بواطن النفوس والعقول. جاءت التعليقات لتشير إلي ما وصلنا إليه، وما فعله النظام بجميع مؤسساته التربوية والإعلامية والدينية والثقافية بعقول هذا الشعب الذي لا يستحق هذا المصير وهذا الخراب النفسي والاجتماعي والاقتصادي والفكري. وما وصل إليه من رؤية وحدوية تعصبية لا يستطيع معها إقامة حوار بناء أو حتي يُدرك معني الاختلاف أو حتي يكون قابلاً للاختلاف. .. ولكن وحتي أكون منصفاً فقد جاءت وسط عشرات القراء بعض التعليقات - التي لا يتخطي عددها أصابع اليد الواحدة - تشير إلي أن هناك بصيص أمل وطاقة نور أمامي تجعلني وتجعلنا جميعًا نواصل إلحاحنا علي إنقاذ ما يمكن إنقاذه في مصير هذا البلد، وسأذكر هنا أحد هذه التعليقات والتي جاءت بالنص كالتالي: استاذ.... تحية كبيرة معطرة لشخصك الكريم المتحضر لا يسعني غير أني أقولك برافوا علي الجرأة والصراحة التي بمقالاتك رغم أنني مسلم وموحد بالله إلا أنني أكثر صراحة أني أقولك عندك حق وما يهمكش من التعليقات الفارغة التي تصدر من متعصبي الأمة.. وتحيا مصر. (أحمد طارق). ورسالة جاءتني علي الهاتف من صديقي المثقف د. مدحت خليل أستاذ الباطنة واستشاري التغذية يقول فيها معقباً علي المقال: «تشخيص دقيق مدعوم بالتحاليل والأشعة لمهزلة اسمها الفتنة الطائفية.. يا تري إيه طرق الوقاية من العدوي هل هناك مصل واق. وأؤكد لك يا د. مدحت أن المصل الواقي علي الدولة أن تبدأ في صناعته وإعطائه بجرعات كبيرة في مراحل مبكرة منذ الرضاعة الأولي ومرورًا بالتعليم والإعلام ورجال الدين والمثقفين ووصولاً إلي الدستور الذي يحكمنا وننشد تغييره. فلو لم نبدأ في إعطاء هذا المصل لن نخرج من «الهاوية» التي وصلنا إليها.. فلو تتذكرون معي فيلم «الصعود إلي الهاوية «وعودة الضابط المصري (محمود ياسين) بالفتاة المصرية الخائنة عبلة (الفنانة الجميلة مديحة كامل) وهو يهبط بالطائرة ويقول لها دي الأهرامات وده النيل وده شعب مصر الجميل.. دي مصر يا عبلة. لو تكرر هذا المشهد الآن لقال الضابط وهو يهبط بالطائرة: شايفة النيل ملوث أد إيه؟! شايفة الجو ملوث أد إيه؟! شايفة الشعب ده.. شعب مطحون بوظوا له فكره وأخلاقه.. بيقتلوا في بعض دلوقتي.. هو هو الشعب يا عبلة اللي كانوا في الجبهة أمام العدو بيحاربوه مع بعض ويحافظوا علي تراب مصر.. همه اللي بيقتلوا بعض دلوقتي وهمه اللي بيفتتوا وحدتهم. إنتي خُنتي بلدك للعدو يا عبلة.. لكن الشعب خان نفسه... إنتي صعدتي للهاوية لكن همه نازلين بسرعة الصاروخ إلي الهاوية. بس عايز أقول لك حاجة مهمة في الآخر.. دي مش مصر يا عبلة.