كتبت قبل أسبوعين بمجلة «روزاليوسف» مقالا بعنوان (متى نحاكم شيخاً أو قسيساً على إثارة الفتنة؟!). حيث تناولت فيه العديد من الأسباب التى أدت إلى ما نحن عليه الآن. وذكرت أن ما وصلنا إليه الآن فيما يخص التوترات الطائفية.. هو نتاج تراكمى تاريخى طبيعى.. بدأ فعلياً مع عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. رغم تقديرى واعتزازى الشديد به. ولقد رصدت العديد من الأسباب التى قادتنى إلى تغيير موقفى من عصر الرئيس جمال عبد الناصر على اعتبار أنها فترة (التكامل والاندماج الوطنى) إلى كونها فترة تأسيس مفهوم الدولة الدينية. بالطبع لم يعجب هذا الرأى العديد من المنتمين للفكر الناصرى وغيرهم، ولقد وصلنى العديد من التعليقات سواء على بريدى الإلكترونى أو من خلال اتصالات شخصية، ولكن هناك ثلاثة تعليقات مكتوبة أعتقد أنه من المهم مناقشة ما جاء بها. أول هذه التعليقات هو ما كتبه الصديق الأستاذ حسنين كروم بجريدة الدستور يوم الخميس 30 سبتمبر الماضى، ولقد تضمن ما كتبه ثلاث أفكار رئيسية هى: * إن ما كتبته هو محاولة لإنقاذ النظام من تهمتى تحويل الكنيسة إلى دولة وتهميش الأقباط ومنعهم من تولى المراكز الحساسة. * إن ما كتبته هو محاولة لإخراج النظام من ورطته بنفى اتهامات الأقباط له بتهميشهم بإلصاق التهمة لعبد الناصر. متخليا عن كل ماكتبه عنه وعن ثورة يوليو وعن المساواة التى قام بها بين الأقباط والمسلمين. * إنه لا يعرف كيف فشل الحزب الحاكم طوال عشرات السنين فى معالجة جريمة عبد الناصر ضد الأقباط. وللأسف الشديد، لم يتناول الأستاذ حسنين كروم ما طرحته بالنقاش.. خاصة أننى لم أطلق هذا الحكم فى الهواء الطلق، بل ذكرت العديد من الأسباب على غرار: تحويل الأزهر الشريف من جامع إلى جامعة لتدريس العلوم الفقهية والدينية إلى جامعة تضم أيضا الكليات المدنية. وعدم تولى الأقباط للوزارات ذات السيادة، وتعيينهم فى وزارات عديمة الأهمية على العكس مما تم قبل ثورة يوليو .1952 وترسيخ فكرة تعيين الأقباط بمجلس الشعب بعد أن كان نجاحهم يتم بالمنافسة فى الانتخاب. وعلى أن يتم التعيين بموافقة الكنيسة أو مباركتها.. وهو ما يعنى أنها تحولت إلى باب الدخول إلى عالم الممارسة السياسية. وترسيخ فكرة أهل الثقة من الدين الواحد فى التعيين كبديل عن أهل الخبرة والتخصص. واستبعاد كل ما يخص الأقباط فى التاريخ المصرى من خلال إعادة صياغة المناهج التعليمية. وتأسيس الاتجاه الدينى فى الإعلام من خلال بعض البرامج الدينية. واعتبار مادة الدين.. كمادة أساسية ضمن مواد النجاح والرسوب للتعليم قبل الجامعى. وتفعيل الشروط العشرة لبناء الكنائس التى أصدرها العزبى باشا (وكيل وزارة الداخلية) سنة 1934 واستمرار عدم وجود حل حقيقى لمشكلة بناء الكنائس وترميمها. وصياغة الهوية المصرية من خلال الحديث عن مصر الإسلامية وكأنه نوع من الاستبعاد لأقباط مصر. أتفق مع الأستاذ حسنين كروم أن المشكلة لاتزال مستمرة، وأن كافة الحكومات المصرية المتعاقبة منذ ثورة يوليو 52 وإلى الآن قد نجحت بأشكال متباينة فى حل العديد من المشكلات والتحديات التى تواجه المجتمع المصرى.. غير أن جميعهم تقريباً اتفقوا على عدم النجاح فى الوصول إلى حل حاسم وشامل فى مسألة التوترات الطائفية والحفاظ على العلاقات بين أبناء مصر من المسيحيين والمسلمين، ولكن كل ما سبق هو نتاج تراكم تاريخى.. مهد للدولة الدينية التى بدأت مع عصر الرئيس جمال عبد الناصر وتطورت فى عصر الرئيس أنور السادات. ويحسب لنظام الرئيس حسنى مبارك أنه أعاد العلاقة بين الكنيسة والدولة إلى مكانها الطبيعى كعلاقة مؤسسية، وليست علاقة شخصية بين البابا والرئيس. ولا يعنى محاولة البحث عن الأسباب المرجعية لما يحدث الآن.. إننى لا أحسب على الحكومة الحالية تقاعسها فى اتخاذ العديد من الإجراءات التى من شأنها إعادة الثقة بين أبناء هذا الوطن.. وبقى أن أذكر الأستاذ حسنين كروم أننى قد كتبت فى المقال الذى عقب عليه مؤكداً على أن كل تلك المشكلات التى ذكرتها.. لم تكن فى تقديرى توجها طائفيا بقدر ما هى إجراءات تم اتخاذها فى سياق التوجه السياسى لنظام الرئيس جمال عبد الناصر حينذاك، وهى الإجراءات التى ترتب عليها وجود بيئة صالحة لترسيخ المناخ الطائفى فيما بعد. أما ثانى هذه التعليقات فهو ما كتبه صديقى سليمان شفيق بمجلة «روزاليوسف» يوم السبت الماضى تحت عنوان (الإعلاميون الذين يشاركون فى حريق الفتنة) حيث تناول ما كتبته من خلال وصفى بهواية (اللف والدوران) حول الموضوع بشكل لافت وقد عتب علىَّ فى ذلك. وذكر أننى قد استهلكت أكثر من نصف المقال فى إبراز مطالب الأقباط من جهة، وتأصيل المشكلات وردها إلى ثورة يوليو من جهة أخرى.. كتمهيد للدخول فى الموضوع خشية من الرأى العام القبطى المتعصب أو عدم إغضاب قطاعات من الإكليروس الكنسى، وذكر أن عزاءه الوحيد أننى دخلت فى صلب الموضوع ولو بعد حين.. عكس الكثيرين الذين لاذوا بالصمت أو استخفوا بعقول القراء دون الدخول فى صلب الأزمة. وفى الحقيقة، لم أستطع أن أتفهم بداية النقد بوصفه (اللف والدوران)، وختامه بأنى دخلت فى صلب الموضوع.. فالأمران متناقضان ومتباينان، وأعتقد أن هناك فرقا بين (اللف والدوران)، والتأصيل لأسباب المشكلة بهذا الشكل الذى لم يفضله للكثيرين، ولكن على أى الأحوال أود أن أذكر له أن الهدف من هذا المقال ليس مناقشة قضية كاميليا شحاتة أو الأنبا بيشوى أو د.سليم العوا.. لأن كل تلك المشكلات هى ظواهر لمشكلة أكبر تم تأسيسها وترسيخها منذ ثورة يوليو وإلى الآن. وهو الأمر الذى كرس أن تكون الكنيسة هى المدخل للعمل السياسى فى المجتمع المصرى، وهى مشكلة أصبحت أكبر من دور البابا شنودة الثالث نفسه. وأعتقد أننى كتبت بوضوح شديد فى مقدمة المقال موقفى من الأنبا بيشوى وتصرفاته، ود. سليم العوا وردود أفعاله، وهو ما يتعارض مع ما كتبه سليمان شفيق من مسألة (الخوف) من الإكليروس لأن هدفى هو التركيز على الرأى العام المصرى الحقيقى، وليس الرأى العام الدينى الطائفى.. خاصة أنك تعلم أن الرأى العام المسيحى الذى تقصده له موقف مضاد من كل ما نكتبه بحياد فى سبيل الوصول إلى الدولة المدنية وتطبيق القانون. أما آخر هذه التعليقات، فهو للأستاذ عاطف بشاى بمجلة «روزاليوسف» يوم السبت الماضى بعنوان (أرجوكم اضطهدونا!). حيث وصف ما كتبته بأنه ينطلق من الخلط بين ما هو سياسى وما هو دينى، وأنه ينطلق من نفس منظور الخوف من الماضى الذى يحكم النظرة إلى الحاضر والمستقبل، وذكر أننى أمقت العنصرية، ولكنى أتحدث بشكل عنصرى، وكأن المطلوب من رجال الثورة الأحرار أن ينقبوا عن ضابط مسيحى ليشركوه معهم فى مجلس القيادة لتكتمل دعائم الوحدة الوطنية.. دون أن أنتبه إلى أهمية أن تكون الأولوية للهوية الوطنية لا الدينية، وأن الثائر لابد أن يكون مصريا أولاً وأخيراً.. وأن الثورات لا تصنعها (الكوتة) كما أنه فى (الكوتة) إهانة.. العجيب فى أمر عاطف بشاى أنه اقتبس بعضا مما جاء بالمقال وعقب عليه.. وأهمل ما يرد على ملاحظاته.. خاصة أننى عندما ذكرت مسئولية نظام الرئيس جمال عبد الناصر على تديين المجتمع المصرى قد ذكرت 10 أسباب يأتى فى مقدمتها تاريخياً عدم وجود ضابط جيش مسيحى مصرى ضمن مجلس قيادة الثورة، ولقد كنت أتمنى أن يناقش عاطف بشاى 9 أسباب أخرى ذكرتها بالتفصيل، ومدى اتفاقه أو اختلافه معى فيها. وأود أن أذكر بأمر مهم ومعروف، وهو مدى (متانة) العديد من أعضاء مجلس قيادة الثورة بجماعة الإخوان المسلمين المحظورة قانوناً وهنا أود أن أسأل عاطف بشاى: ما رأيك فى اعترافات المستشار الدمرداش العقالى التى سجلها سليمان الحكيم، وتم نشرها بجريدة «المصرى اليوم» فى 4 أكتوبر الماضى حول وصية حسن البنا (مؤسس الجماعة المحظورة) بتولى مسئولية الجماعة من بعده لعبدالرحمن السندى (مسئول التنظيم السرى) وإذا لم يكن موجوداً يصبح جمال عبدالناصر هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين؟! ولقد كنت أتمنى أن يفسر لنا عاطف بشاى معنى (العنصرية) التى اتهمنى بها.. خاصة أنه من الواضح أن هناك خلطا فى المفاهيم بين (العنصرية) و(المواطنة) فى التعليق على المقال.. خاصة أن المقال ينتهى إلى تأكيد الدولة المدنية التى تنتصر لتنفيذ القانون على الجميع، كما طالبت بشكل مباشر بأهمية تحويل القس تداوس سمعان وزوجته كاميليا شحاتة وأسقف المنيا صاحب الخلافات مع محافظ المنيا إلى النيابة العامة للتحقيق وتحديد من المسئول عن هذه الأزمات الطائفية. وفى تقديرى أن موقفى من الخلط بين ما هو دينى وما هو مدنى ومن المشاركة السياسية للأقباط ومن رفض (كوتة) الأقباط - التى لم يأت ذكرها من قريب أو من بعيد فى المقال - هو أمر معلن فى العديد من البرامج الفضائية ومكتوب على مدار العشر سنوات الأخيرة.. لمن يقرأ ولمن يسمع.