سلام علي شهداء لؤلؤة دلمون يا دامي العينين و الكفين إن الليل زائل لا غرفة التعذيب باقية و لا زرد السلاسل نيرون مات و لم تمت روما بعينيها تقاتل و حبوب سنبلة تجف ستملأ الوادي سنابل لا أعرف ما كان ضرهم لو أنهم تركوا الناس منذ البداية في ميدان اللؤلؤ بالبحرين يقدمون أروع صورة عن شعب دلمون الجميل صاحب الحضارة الضاربة في التاريخ من قبل الزمان بزمان؟. ما كان ضرهم لو أنهم تركوا ألف زهرة تتفتح و تركوا الناس تتنفس و استفادوا من أجمل و أثمن ما يملكون..شعباً راقياً شديد التحضر لا يجنح إلي العنف و لا يتحمل رؤية الدماء و لم يُفطر إلا علي المسالمة و حب الحياة و الحرية. ما كان ضرهم لو أنهم قدموا أنفسهم للعالم بحسبانهم يشبهون أهل تايلوس الجميلة في التعامل الراقي و الحلم بالمستقبل؟. هل كان لا بد للدماء أن تسيل و للرؤوس أن تتهشم و للعظام أن تنسحق قبل أن يعودوا فيتركون الناس تعبر تعبيراً سلمياً عن أمانيهم بالعدل و الفرص المتساوية و الحرية؟. هل كان يجب علي هيلاري كلينتون أن ترفع سماعة الهاتف حتي تتحول مدافع الدبابات بعيداً عن المتظاهرين المسالمين؟. ما بالنا لا نتعظ و لا نتعلم و كأننا نكتشف كل يوم ان لمس النار يحرق!. إن الذين خرجوا إلي ميدان اللؤلؤ لم يرفعوا شعارات طائفية و لا خرجوا علي االشرعية و لا قدموا مطالب مستحيلة. إنهم حتي لم يفعلوا ما فعله الشعب في مصر و تونس عندما طالب برحيل رأس النظام ..كل ما طالبوا به هو إصلاحات سياسية لا تنتقص من قدر الحاكم و لا تنال من هيبته، لكنها تجعل الناس يضعونه في حدقات العيون إذا ما تماهي مع مطالب شعبه و قام بتلبيتها. هل كثير علي الناس في القرن الواحد و العشرون أن يحظوا بحكومة تعبر عنهم و يرضون عنها؟. هل كثير علي الناس أن يحظوا ببرلمان يمثلهم مع منحه صلاحيات رقابية حقيقية؟. ألا يستطيعون أن يكون لهم في التجربة الديموقراطية بالكويت القريبة أسوة حسنة إذا أرادوا ان يتأسوا بدول الجوار؟. أولم يروا كيف أن وزير الداخلية الكويتي قد تقدم باستقالته بعد أن ثبت أن نفراً من رجاله قاموا بتعذيب أحد المتهمين في واحدة من أشرف مشاهد الشعور بالمسؤولية..لفتة لم يسبق لنا أن رأيناها من أي مسؤول عربي. فكيف نترك هذا النموذج و نتعلق بالممارسات المعادية للإنسانية التي تعلمتها كل أجهزة الأمن العربية من نظيرتها المصرية في العهد البائد؟. هل المطالبة بالحق في العمل الذي أقرته كل مواثيق حقوق الإنسان و الحق في الفرص المتكافئة أصبح شغباً و تمرداً يستحق المواجهة بقاذفات النار؟. إنني أشعر بالخجل من نظام مبارك الساقط عندما أري أنظمة عربية لم تكن تعرف شيئاً عن تعذيب الناس أو اعتقالهم قبل أن تدركها لعنة الشقيقة الكبري التي توقفت عن إمداد العرب بالعلماء و صارت تمدهم بضباط أمن الدولة!. كما أشعر بالحسرة عندما أري الأجهزة الأمنية في الوطن العربي تستخدم نفس الكليشيهات المقيتة التي ابتدعتها أجهزة الأمن المصرية عندما صكت مصطلحات مثل القلة المندسة و الشرذمة المارقة و العناصر المأجورة و الجماعات المحظورة إلي آخر هذه القائمة التي تلقفها كل العرب و صاروا يستخدمونها عند أوان الإستحقاقات العادلة. و إن كان العقيد القذافي قد اعتلي عرش الإجرام و أدخل علي القاموس إبداعات جديدة فوصف أبناء شعبه بأنهم كلاب و جرذان و "مقملين" و متعاطون للمخدرات و حبوب الهلوسة. ومن العجيب أن السلطة في تونس قد لجأت قبل السقوط إلي إخافة الغرب و إثارة هواجسه عندما زعمت أن بوعزيزي و الذين خرجوا بعد حرقه هم من الإسلاميين المتطرفين الذين سيعيدون البلاد للعصور الوسطي!. و الأمر نفسه فعله مبارك عندما أراد أن يشتري وقتاً مستقطعاً فزعم أن الإخوان هم الذين يتزعمون المظاهرات في الشارع و أنهم سيقطعون علاقاتهم بالغرب إذا نجحت الثورة!. و لا يبتعد كثيراً عن هذا من يصورون مطالب شعب البحرين بأنها تمرد شيعي طائفي مدعوم من إيران!..كيف هذا و المعتصمون بدوار اللؤلؤ يمثلون كل عناصر التركيبة البحرينية الثرية و تضم الشيعة و السنة و الرجل و المرأة و المتعلم و الأمي و المتدين و العلماني؟. إن استخدام كليشيهات مباحث أمن الدولة في مصر لتصنيف الناس هو أمر بالغ الخطورة. لقد كانت الناس تضحك عندما تقرأ في الصحف عن تنظيم "العائدون من أفغانستان" و تنظيم "الناجون من النار" و تنظيم "الإمتاع و المؤانسة" لأن كل هذه المسميات من ابتداع رجال أمن النظام و لا معني لها في واقع الأمر.فليت السادة الحكام يكفون عن خلط الإرهاب بالكوميديا!. أحلم بيوم أري فيه الحكام العرب يستجيبون لمطالب الناس من قبل أن يطلبوها، كما أحلم بيوم أري فيه وزراء التعليم و البحث العلمي العرب يجتمعون بانتظام كما يجتمع وزراء الداخلية الذين لا يخلفون موعد اجتماع واحد. إن التوافق و الرضا أقوي و أحفظ للأمن من المدرعات و الرصاص، و الاستجابة لمطالب الناس العادلة هي التي تحفظ المُلك و ليس المدد العسكري المتدفق عبر الجسر!. هل كتب علينا أن تلعب الجغرافيا في حياتنا دوراً خئوناً مخاتلاً بدلاً من أن تكون سبباً في انسياب الرحمة و الخير. إن الأمل لم يرحل بعد و الفرصة لم تزل مواتية حتي تقدم البحرين شعباً و حكاماً نموذجاً راقياً في كيفية إدارة الأزمة و كيفية انتصار الحكمة علي النزعات الوحشية التي تغري بها القوة المادية و المرتزقة المسلحون. و سلاماً علي أرواح الشهداء الذين عطروا ساحة اللؤلؤ بدمائهم الزكية فغسلوا عار التقاعس و القعود عن طلب العدل بالتي هي أحسن و أسلم و أكرم.