تغيب في غمرة الجدل السياسي المحتدم الآن حول ثورة شباب مصر أحيانا حقيقة أن آلافا من شباب مصر الثورة، وعائلاتهم، قد تكبدوا تضحيات جسيمة، إلى أن وضع تلك الحقيقة في بؤرة الاهتمام ذلك الشاب الرائع وائل غنيم من زهرة شباب مصر الفل بحق، وليس مثل نجلي الرئيس السابق اللذان تسيدا المجتمع المصري بالفساد والتفاهة وجعل منهما الإعلام الرسمي الحقير نموذجا ليحتذى. وضع وائل تضحيات الشباب في بؤرة الاهتمام عندما أجهش باكيا، على الهواء، لذكر رفاقه الشهداء الأبرار، منحيا باللائمة، وبحق، على المتشبثين بالسلطة، زورا وجورا من عُمِد نظام الحكم التسلطي الحاكم. لماذا كل هذا التشبث بالبقاء في السلطة وهل يساوي الضحايا من شباب ثورة الفل؟ هل يساوي سقوط 300 قتيل و5000 جريح من خيرة شباب مصر، وبعض الجرحى فقد كلتا عينيه، بسبب عنف جحافل نظام الحكم التسلطي لشلة تحالف السلطة والثروة الذي ينازع سكرات الموت، ولكن يرفض أن يذهب إلا أن يُقتل في سبيل الحفاظ على تحويشة العمر للسيد الرئيس السابق وحاشيته ولضمان مصالح اسرائيل والولايات المتحدة. لا ريب في أن قطرة واحدة من دماء شباب مصر الرائع أغلى من كل أموال الدنيا وجميع المتسلطين الحقراء ومجمل مهمام الحكم التسلطي الدنيئة ، ولكن ليس هذا منطق الشلة المنحطة تلك. وفيما ضبط مع السيد حسين سالم، تاجر السلاح ومورد الغاز لإسرائيل، وأقرب رجال الأعمال للسيد الرئيس السابق، إن لم يكن شريكه، وهو بالمناسبة أيضا عسكري سابق، في رحلة هروبه التي لم يوقفه فيها أحد وانتهي فيها إلى سويسرا عبر دبي، لدليل دامغ. فقد ضبط مع السيد في دبي أموالا سائلة تراوح تقديرها بين نصف مليار دولار ومليار ونصف، نقدا!! فإن كان هذا ماكان يحمل أثناء الرحلة، للنفقات النثرية، فكم تبلغ ثروته كلها، هو وشريكه. واضح أن من جرى التحفظ على أموالهم هم من صغار الفاسدين الذين قرر النظام أن يضحي بهم لذر الرماد في العيون وللتعمية على الحيتان الكبارالذين نهبوا مصر وشعبها طيلة ثلاثين عاما أو يزيد. كما ونفهم الآن لماذا جري تعيين رئيس الوزراء السابق مُصفِّي القطاع العام في وظيفة مدير المصرف العربي الدولي، الذي لا يخضع لرقابة البنك المركزي، براتب- رشوة شهرية قدره مليون جنيه في ضوء ما يرد الآن عن تحويل المصرف لأموال هائلة الضخامة من دون ذكر أسماء. إن حق الشهداء والمصابين من خيرة شباب مصر لا يوفى في النهاية إلا بعودة جميع أموال اللصوص والنهابة من سارقي مصر من أساطين الحكم التسلطي وأعوانه، للشعب المصري صاحب البلد الأصيل، وتوظيفها لإزالة ما جره الحكم التسلطي على شعب مصر من بطالة وفقر وكرب مقيم. ولكن هناك مطلب عاجل وملح. فنتساءل لماذا لم يهرع وزير المالية الهمام لترتيب تعويضات ومعاشات كريمة لأسر الشهداء والمصابين على حين هرول لتعويض أصحاب الأعمال عن الخسائر التي تكبدوها خلال فترة الانفلات الأمني والتخريب الذي أمر به المجرم وزير الداخلية السابق. وأنا هنا أعني تعويضا فوريا قدره مليون جنيه لأسرة الشهيد ومعاش شهري قدره ألف جنيه للفرد في الأسرة، وتعويضا للمصاب قدره ربع مليون جنيه عن الإعاقة الجزئية ونصف مليون جنيه عن الإعاقة الكلية. وأرجو ألا يتطاول أحد بأن الميزانية لا تتحمل التكلفة، فتكلفة هذه التعويضات ربما لن تتعدى نصف ما قرر الوزير لرجال الأعمال. ولتخصم تعويضات الشهداء والمصابين من مخصصات وأموال المجرمين المباشرين، أي وزارة الداخلية و حزب الحاكم. فالأدلة الان دامغة على تورط هاتين الجهتين في تلك الجرائم. وحيث لم نسمع اعتذارا أو تكذيبا من السيد وزير الداخلية الجديد (نرجو ألا يكون كل وزراء الداخلية في ظل هذا الحكم التسلطي القميء سواء؟!) أو من السيد اللواء مسئول الكذب على الشعب بوزارته، للأدلة الدامغة المتاحة (بما في ذلك تسجيل الصوت والصورة لإطلاق شرطي بالغ النذالة للرصاص على شاب أعزل لم يدخر وسعا ليبين له أنه أعزل ومسالم فارداه الأول قتيلا بدم بارد)، نجد في هذا الصمت اعترافا بالمسئولية المباشرة عن هذه الجرائم. والحق أن هذه التعويضات كلها يتعين أن تصرف خصما على ميزانية وزارة الداخلية التي لم تتح للوطن أمنا على الرغم من إغداق النظام عليها، ولكن روعت الوطن والمواطنين باستعمال أموال الشعب. ولذلك فإن هناك حقا آخر لابد من أن يُقتص ممن أسالوا دماء، وقبضوا أرواح، الآلاف من شباب مصر، من دون الاكتفاء بعقاب صغار أعوان الاستبداد مثل جنود الشرطة الأسافل الذين أطلقوا الرصاص الحي وأعملوا الإصابة في شباب مصر الثائر الطاهر مسببين عاهات دائمة في كثر حالات. هؤلاء ليسوا إلا الأصابع القذرة والدنيئة التي ضغطت على زناد أسلحة الشرطة أو دهست المتظاهرين بمصفحاتها، وكلها مشتراة بدم الشعب وعرقه. أما القتلة الحق فهم من أصدروا الأوامر، من ضباط الشرطة وقياداتها ومن طغمة رؤوس نظام الحكم التسلطي، في حزب الحاكم والحكومة والدولة، حتى رأسه (الرئيس السابق).