إذا كانت النجوم التى نراها ترصع صفحة السماء ليلاً ليست نجوم ولا حاجة و إنما مجرد إنعكاسات ضوئية لنجوم ماتت وشبعت موت منذ آلاف السنين الضوئية .. إذن لماذا لا تكون الحياه التى نتصور أنها حياه ليست حياه ولا حاجة و إنما مجرد إنعكاسات روحانية لحياه كانت موجوده بالفعل منذ آلاف السنين الماضيه ؟! و إذا كنا قد توصلنا إلى القاعده العلمية و الفيزيائية التى تفسر لنا كيفية وصول تلك الإنعكاسات للنجوم الميتة إلينا .. مع ملاحظة أننا فى وقت من الأوقات لم نكن قد توصلنا بعد إلى تلك المعرفه وكنا نظن أن النجوم نجوم و ليست مجرد إنعكاسات ضوئية .. إذن لماذا نعتبر أن عدم توصلنا بعد لحقيقة أن الحياه التى نعيشها مجرد إنعكاس روحانى لحياه أخرى كانت موجودة منذ عدة آلاف من السنين هو نهاية المطاف ؟! ألم نكن نحن من كنا نعتقد منذ ألف و خمسميت سنه فقط أن كوكبنا الأرضى العزيز مساحه منبسطه و ممتده من الأرض ؟ ألم نكن نحن أنفسنا برضه من أصبحنا نعتقد بعدها بخمسميت سنه فقط أن كوكبنا الأرضى العزيز كره معلقه فى الفضاء تلف حولها الشمس و باقى الكواكب الأخرى ؟ ألم نكن نحن برضه من أصبحنا نعتقد بعدها بكمان خمسميت سنه أن الأرض كروية آه .. لكنها هى التى تلف حول الشمس ضمن باقى كواكب المجموعه الشمسية الأخرى؟ ألم نكن نحن هؤلاء جميعاً ؟ إذن .. لماذا نهرب من حقيقة أنه لا تزال هناك الكثير والكثير من الحقائق التى لسه سوف نتوصل إليها و التى عندما يحدث ذلك سوف تتراوح ردود أفعالنا تجاهها ما بين فغرالفاه من فرط الدهشه و ما بين الإستلقاء على أقفيتنا من فرط الضحك على كل ما كنا نظن أنه كده بعد أن نكتشف أنه ما طلعش كده ولا حاجه .. وبعد أن نكتشف أن كل تلك الحياه التى نعيشها الآن ليست أكثر من مجرد فاصل كوميدى خفيف بين فقرات حفله كونيه ضخمه و أننا لسنا أكثر من شوية البهلوانات الموكل إليهم تسلية ذلك الجمهور الكونى الضخم .. و هنا يكمن الصراع النفسى بداخل البنى آدم منا بين رغبته العارمه فى الوصول إلى إجابة ذلك السؤال الملتبس .. إحنا مين ؟ و بنعمل إيه هنا بالظبط ؟ .. و بين خوفه من الوصول إلى تلك الإجابه المرعبه التى قد تكون مفزعه بشكل أكبر مما نتصوره جميعاً ! وكحيله نفسيه لا إرادية للهروب من ذلك الإمتطاء الصعب لأحصنة الخيال البريه والمتوحشه وغير المروضه و الجامحه ننجرف إلى التفكير فى أى كلام فارغ لا يحتوى على أى إجابات للأسئلة اللى بجد و التى تعنينا بالفعل أثناء دورة حياتنا القصيرة على هذا الكوكب .. و بناء عليه ننشغل بكل تلك الألاعيب السياسية التى يلعبها الحزب الوطنى مع الشعب و ننسى أن التعريف الرسمى لعلم السياسة ينص على أنه فى الأساس علم خبث ودهاء وخداع و حركات وإشتغالات .. بينما نتعامل مع الأشياء الحقيقية التى ينبغى بالفعل أن ننفق أوقاتنا فى التفكير فيها على أنها كلام فارغ وعبث لا يجدر بنا أن ننساق إلى التفكير فيه .. فنتعامل مع الذين يشطحون بخيالاتهم فى التفكير على أنهم مجانين و معاتيه ومتوحدون و يستحقون الرثاء و إيداعهم مستشفى الدكتور ناشد للأمراض النفسية و العصبية .. على الرغم من أن كل ما حولنا وكل ما نستخدمه اليوم بالفعل فى حياتنا اليومية ليس سوى نتاج لهذا الخيال الذى قد شطح فى أحد أيام الماضي بأصحابه ليرى بعضهم الحديد يسير على أربع عجلات و يطير فى السماء و يرى بعضهم الآخرالجبال و قد تحولت أحجارها إلى بيوت و يرى بعضهم الآخر الصور المتحركة محبوسه بداخل صندوق سوف نطلق عليه فيما بعد تليفزيون .. الخيال كان هو البداية الشرعية والمنطقية والرسميه لكل العلوم التى نعرفها الآن والتى لا تحتمل قواعدها الثابتة و الدقيقه أدنى ذرة خيال .. أليست تلك مفارقة عبثيه ؟! فى إحدى الأفلام الوثائقية التى شاهدتها مؤخراً كان التساؤل الرئيسى يدور حول ما إذا كان ينبغى علينا أن نعالج المبدعين والفنانين والعباقرة من أمراضهم النفسية و شطحات خيالهم وإختلالاتهم الشخصية التى تعد ركيزة أساسية من ركائز إبداعهم .. أم أنه ينبغى علينا أن ندعهم و شأنهم حيث أن الخلل النفسى عند المبدع هو سمة من سمات عبقريته و تفرده ؟! توصل الجميع إلى إجابة عامه تقريباً .. دعوا العباقرة و شأنهم .. فكل ما تعتبرونه أنتم خللاً نفسياً قد يكون عند هذا الفنان أو عند ذلك المخترع مكوناً رئيسياً من مكونات شخصيته و إبداعه .. لذلك .. دعوا المختلفين و المتفردين و العباقرة و الخارجين عن سياق القطيع فى حالهم .. فهؤلاء قد نذروا أرواحهم لتصبح وقوداً لا مرئياً نتعامل معه يومياً بدون أن نعلم أنه وقود و بدون أن نعلم أنه لا يقل أهمية عن باقى سبل و مصادر الطاقة الأخرى التى نعرفها جميعاً .. فلوحة جميلة أو فيلم عبقرى او قصيدة متفردة او رواية تنتزعك من عالمك إلى عالمها أو كتابه تستحثك على التفكير وتشغيل دماغك .. تلك الأشياء ليست أوبشانات رفاهيه أو فرفره على الإطلاق .. و إنما هى لا تقل فى الأهميهو فى إحتياج الكوكب لها لكى تستمر الحياه عليه عن برميل بترول .. الفارق الوحيد بينها و بين ذلك البرميل من البترول أنها أشرف و أطهر كثيراً .. فعملية الشحن الروحانى عن طريق مشاهدة فيلم أو قراءة كتاب لا تحتاج على الأقل إلى كل هؤلاء القتلى و كل هذا الدم المراق وكل ذلك الخراب والدمار الذى كان ينبغى أن يحدث من أجل الحصول على برميل الزفت البترول ! يقول العم جبران خليل جبران .. " لا يخرج على قانون وضعه الإنسان غير معتوه أو عبقرى .. و كلاهما أقرب ما يكون إلى قلب الله " !